الدليل الخامس: أن العلوم الحياتية طريق لمعرفة الله عز وجل.
ما أكثر الآيات التي جاءت في القرآن الكريم لتدعو إلى التفكر والتدبر في الكون، وهذه آيات كثيرة جداً في كتاب الله عز وجل، وكلما تفكّرت أكثر وأكثر قلت: سبحان الله! وعرفت الله عز وجل أكثر وأكثر، ومن أكثر الأشياء التي تزرع الإخلاص في قلوب المسلمين القراءة في كتاب الله عز وجل المقروء، وكتاب الله عز وجل المنظور، وكتاب الله عز وجل المقروء هو المصحف أو القرآن الكريم، والكتاب المنظور هو الكون الفسيح، وأمرنا ربنا سبحانه وتعالى مئات المرات بالسير في الأرض، والتفكر في خلق السماوات والأرض، وفي خلق الحيوان، وفي خلق النبات، وفي خلق الإنسان، وفي كذا وكذا فعندما تكون معلوماتي هي معلومات ألف سنة مضت أهذا تدبر وتفكر؟ أين التفكر والتدبر؟ التفكر والتدبر أن تنظر إلى الشيء بإمعان، وتنظر فيه مرة وثانية وثالثة فتخرج في كل مرة أمراً جديداً، هذا هو التفكر، وانظروا إلى قول الله عز وجل:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨] في أي سياق جاءت؟ هل جاءت في سياق الحديث عن العلوم الشرعية، أم جاءت في سياق الحديث عن العلوم الحياتية؟ فقبلها يقول الله عز وجل:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}[فاطر:٢٧ - ٢٨] فالعلماء الذين يخشون الله عز وجل المذكورون في هذه الآية هم الذين نظروا إلى النبات، وإلى علوم الأرض، وإلى علوم الحيوان، وإلى علوم الإنسان، فبرعوا فيها وتدبروا وتفكروا، فشعروا بالخشية من الله عز وجل.
وهذا أينشتاين الذي عمل النظرية النسبية نظر إلى الكون الفسيح ورأى السرعات الهائلة الموجودة في الكون وفي الفلك، ثم قال -وهو ليس من المسلمين ولا يعرف القرآن ولا السنة- قال: وراء هذا الكون قوة خارقة، وأنا لا أعرفها.
فمن المستحيل أن يكون هذا الكلام عشوائياً، ونحن ربنا سبحانه وتعالى عرفنا به، وهذه نعمة كبيرة جداً، ألا نتقي الله عز وجل في هذه النعمة؟ وهل نترك هذه المجالات لـ نيوتين وأينشتاين وغيرهما من الكفار؟ فالتفكر في هذا الكون طريق لمعرفة الله عز وجل، وكلما عرفت أكثر وأكثر عرفت الله عز وجل، وإن أردت أن تخشع في صلاتك وأن تتدبر في قرآنك، وأن تطيع ربك حق الطاعة فاعرفه، وطريق المعرفة التدبر والتفكر في خلقه وفي كونه، ويسبق ذلك القراءة في كتابه المقروء وهو القرآن، وكذلك القراءة في السنة النبوية، وليس هناك تعارض أبداً، بل بالعكس فالقرآن يحض على العلوم الحياتية، وأنا على يقين أن معظم كلمات العلم التي جاءت في كتاب الله عز وجل جاءت لتشمل العلم بنوعيه: العلم الشرعي، والعلم الحياتي، العلم النافع بكل صوره، أليس الذي يصنّع سلاحاً للمسلمين يعمل بعمل نافع؟! أليس الذي يصنّع كمبيوتراً خاصاً بالمسلمين يعلم علماً نافعاً ويعمل به؟! أليس الذي يصنع كذا وكذا يكفي الأمة مؤنة مد يدها لغيرها لشحذ العلم أو لاستيراد حتى لعب الأطفال والأغذية والقمح وغير ذلك؟ أليس هذا الذي يُبدع في مجاله يعمل ويعلم علماً شرعياً يجازى عليه من رب العالمين خير الجزاء إن أخلص فيه النية لله عز وجل؟ بلى وربي.
إذاً: هذه من العلوم الأخروية حقاً، بشرط إخلاص النية لله عز وجل، فإذا سعيت إلى إصلاح أمتك وأن تكون أمتك أمة رائدة قائدة وفعلت ذلك ابتغاء المثوبة من الله عز وجل وابتغاء وجه الله فأنت بإذن الله من الصالحين المجازين خيراً من رب العالمين سبحانه وتعالى.
كانت هذه خمسة أدلة، وفي المرة القادمة سأحدثكم بخمسة أخرى وهي في غاية الأهمية، وهي أيضاً تؤكد على هذا المعنى وتقويه، ومنها بإذن الله ننطلق إلى ماذا نعمل؟ وكيف نتحرك بأمتنا لتكون في الصدارة؟ وليس هذا على الله عز وجل بمعجز.
ونسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[غافر:٤٤].