[أهمية الوقت في حياة المسلمين]
اليوم نتحدث بإذن الله عن العامل الذي لا يستطيع عالم أن يكون عالماً إلا به، بل لا ينجو الإنسان في حياته إلا بالاهتمام به، ذكرنا أنك إذا أردت أن تصبح عالماً فإن عليك فعل شيئين: الأول: أن تقدر قيمة الشيء الذي تجاهد من أجله.
الشيء الثاني: لا يستطاع العلم براحة الجسم.
أما الشيء الثالث فهو موضوعنا في هذا اليوم، قد تجد أناساً تعمل (٢٤) ساعة سبعة أيام في الأسبوع (٣٦٥) يوماً في السنة، يعني: يعملون على مدار السنة، فهؤلاء يبذلون جهوداً ضخمة جداً، لكن ليس هناك إنجاز معين، فهم يتعبون كل السنة، وفي آخر السنة ما هي الإنجازات التي عملوها؟ لا شيء.
نحن نريد أن نتكلم عن عامل مهم، ألا وهو عامل الوقت، فما قيمة الوقت في حياة العلماء؟ لا يوجد عالم في الدنيا يضيع وقته، ولا يوجد عالم في الدنيا لا يرتب أولويات وقته، هل هناك من يضيع وقته؟ هذا مستحيل يكون عالماً، لكن المشكلة أن هناك أناساً لا تضيع وقتها، ولكن لا تعرف كيف تدير الوقت، ولا تعرف كيف تنظم الوقت، ولا تعرف كيف تستغل كل الوقت، مع وجود الحمية والإخلاص في قلب من كان كذلك، إلا أنه لا يستطيع استغلال وقته استغلالاً كاملاً، فتضيع بذلك الأعمال والأعمار، ولا يستطيع أبداً أن يصل إلى درجة العلماء.
أغلى ما يمتلك الإنسان حقيقة هو الوقت، فهو رأس مالك وهو عمرك ويوشك إن ذهب البعض أن يذهب الكل، الوقت يذهب بسرعة وإذا ذهب فلا يمكن أن يرجع، لو كان هناك من يتحمس لقضية العلم وعمره (٣٠) سنة فسيبتدئ فلو عمر (٦٠) سنة سيتبقى له (٣٠) سنة، أما الماضية فقد فاتت قدر الله وما شاء فعل ما فات فات.
كذلك لو بدأت وعمرك (٥٠) سنة، إذاً: (٥٠) سنة انتهت، فاهتم بالآتي، والآتي قد تكون (١٠) (٢٠) (٣٠) (٥٠) سنة الله أعلم، لكن ما فات فات.
من يسمع هذا الكلام الآن سيحزن جداً على العشرين السنة أو الثلاثين السنة التي انقضت وسيضيع أيضاً عشرين سنة أو ثلاثين آتية في الحزن، هذا لا ينفع.
الغرض من كلامنا أن تبدأ من الآن في الحفاظ على الوقت؛ لأن قضية الوقت قضية ماسة، وللأسف الشديد أمة الإسلام الآن تعاني معاناة كبيرة جداً في قضية الحفاظ على الوقت، الإنتاجية للعامل الأوروبي سبع ساعات في اليوم، هم يعملون ثمان ساعات أو تسع ساعات، لكن المجمل سبع ساعات، بينما المجمل للعامل المصري (٣٠) دقيقة، الإنتاجية للعامل المصري لا تقاس بالساعات وإنما بالدقائق نصف ساعة فقط، هذه إحصائيات رسمية حكومية في مصر ليست في جرائد المعارضة، وهذه كارثة، هم يحسبون الإنتاج على عدد العاملين، نحن عندنا بطالة مقنعة، هناك مئات وآلاف وعشرات الآلاف ومئات الآلاف بل ملايين عندهم بطالة مقنعة، أعرف شخصاً يذهب إلى عمله يومين في الشهر، وعندما سألته: لماذا لا تذهب إلا يومين في الشهر؟ قال: اليوم الثاني هو يوم استلام الأجرة، فضروري أن أذهب، لكن اليوم الأول هذا من أجل أن أشتغل، قلت له: وبقية الأيام من الذي يشتغل؟ قال: زملائي يشتغلون، فكل واحد من زملائي يأتي يوماً في الشهر، فقلت له: لماذا تعملون هكذا؟ قال لي: نحن (٣٠) موظفاً ولو حضرنا كلنا فستكون أزمة؛ لأن الثلاثين متوظفون في غرفة واحدة فيها مكتب واحد.
هذا أمر حقيقي، ويشتغل هذا الشخص وزملاؤه في مركز من المراكز الصحية في محافظة الدلتا في الغربية بمصر؛ ليس هذا لأن المحافظات الغربية بالذات فيها مشكلة، لا، بل هذا في كل مكان، وأنتم تعرفون هذا.
إذاً: أنا أخبركم بأن هذه واقعة حقيقية يذهب هذا الموظف يوماً في الشهر؛ لأنه لا يوجد إلا مكتب واحد، والعمل الذي يعمل في المكتب يقوم به واحد.
كنت في إدارة من الإدارات الحكومية أعامل أمراً معيناً، فقلت لأحد الموظفين: كيف أخبار المواعيد في رمضان عندكم؟ قال: أعطوا نصف الموظفين إجازة، والنصف الآخر نصفهم يحضرون يوماً والنصف الآخر يحضر اليوم الآخر، فقلت له: وهل العمل لا يتأثر؟ فقال لي: عندما نكون أقل يكون العمل أفضل.
وهذا الكلام في منتهى الحكمة؛ لأنه لو كان الكل يعمل فسيصير العمل غير مضبوط، فلما يكون عندك مائة واحد والعمل يقوم به عشرون إذاً المائة سيعملون عطلاً في العمل ولن تعرف من المسئول، ولا أحد مسئول معين، فالوقت ليس له ثمن، يعني: لما أقعد ثمان ساعات في العمل وفي الأخير يصبح إنتاجي (٣٠) دقيقة.
إذاً: الوقت ليس له ثمن، وأين إنتاجية الأمة؟! إذاً: قضية الوقت هي قضية للفرد وللجماعة وللأمة بكاملها فهي قضية في منتهى الأهمية، وهي قضية دنيا وآخرة، فالذي يضيع وقته على خطر عظيم، وتعرف قيمة الوقت أكثر في لحظتين: لحظة الاحتضار وأنت على فراش الموت، ستعرف قيمة الوقت حينها، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠]، هذا الموت قد يأتي الآن لأي شخص منا، فالموت يأتي بغتة، وحينها ستعرف قيمة الوقت وتقول: لو أني