كان الإمام النووي رحمه الله يقرأ المصنفات التي كتبها في الحديث، وفي الطبقات، وفي الفقه، وفي أصول الفقه وغيرها وغيرها، وقد يظن الواحد أنه كان منقطعاً تمام الانقطاع للكتابة والتأليف، مع أنه كان يؤلف ويكتب بالليل، فماذا كان يعمل في النهار؟ كان له درسان في الوسيط في الفقه، ودرس ثالث في المهذب، ودرس في الجمع بين الصحيحين، ودرس في صحيح مسلم، ودرس في اللمع في النحو، ودرس في إصلاح المنطق لـ ابن السكيت في اللغة، ودرس في التصريف، ودرس في أصول الفقه ودرس في المنتخب للفخر الرازي، ودرس في أسماء الرجال، ودرس في أصول الدين في التوحيد، يعني: عددها اثنا عشر درساً يومياً، كان يحضر هذه الدروس ليتعلم، وفي مرحلة أخرى من حياته يحضر الدروس هذه ليعلَّم، فقد كان أستاذاً في مدرسة الحديث في دمشق، فقد ظل عمره هذا يحضر اثني عشر درساً سواء طالب علم أو عالماً، وبالليل يصنف، فعمل هذه الإنجازات الهائلة كلها، وهذه الدروس مرتبة في أوقات معروفة، بعد الفجر درس، وبعد الضحى درس، وبعد الضحى بساعتين درس آخر، وقبل الظهر درس وبعد الظهر درس، وبعد العصر درس، وكل درس له ميعاد معروف، وبالليل التأليف، ومات رحمه الله وعمره (٤٤) سنة، فكل هذا الإنجاز الضخم وعمره (٤٤) سنة، وهو من بني آدم مثلنا مثله، وسيحاسب يوم القيامة معنا، ويوزن في نفس الميزان، واعلم أن الميزان يوم القيامة واحد، ليس هناك ميزان لأهل القرن العشرين، وميزان لأهل القرن الأول، وميزان لدولة أمريكا، وميزان لدولة مصر، إنما هو ميزان واحد، فـ أحمد بن حنبل وابن عقيل وابن الجوزي والطبري والشافعي والنووي وابن النفيس والبيروني وجابر بن حيان والرازي والمجاهدون والعلماء والدعاة والمنفقون كل هؤلاء جميعاً ونحن أيضاً سنعرض على رب العالمين سبحانه وتعالى، وتوزن أعمالنا، فلا زالت الفرصة أمامك الآن للعمل طالت أو قصرت.