[الطب في الحضارة الإسلامية]
أول مستشفى في العالم كان مستشفى إسلامياً أُسس في عهد الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي سنة (٩٠) هـ، وحكم الوليد من سنة (٨٦) هـ إلى (٩٦) هـ.
هذا أول مستشفى في العالم بأسره.
أول مستشفى أوروبي أنشئ بعد هذا المستشفى بتسعمائة سنة، فبيننا وبينهم في إنشاء المستشفيات كانت تسعة قرون كاملة، وأنشئ المستشفى في باريس على مستوى ضئيل جداً من النظافة ومن الإتقان ومن الحنكة الطبية، فقد كان مستواه متردياً، بينما برع المسلمون في مجال المستشفيات قبل مستشفى باريس هذا بتسعمائة سنة، وتوالت بعد ذلك المستشفيات في كل بقاع العالم الإسلامي، حتى إن العالم الإسلامي عرف بما يسمى بالمستشفيات المتنقلة والمستشفيات الثابتة، والمستشفيات الثابتة: هي التي تكون في مدينة في أحد الأمصار الكبرى ثابتة يؤمها الناس من كل مكان، أما المستشفيات المتنقلة فقد كانت تُنقل على الجمال، وتمر على قرى المسلمين وجبالها وسهولها والأصقاع البعيدة؛ ليخدم المسلمين في كل مكان من أماكن الأمة الإسلامية، وكانت بعض المستشفيات المتنقلة تحمل على (٤٠) جملاً؛ لضخامتها، فهذه الجمال تحمل الأجهزة الطبية والأدوية والأطباء، وينتقلون من مكان إلى آخر؛ ليعالجوا مرضى المسلمين هنا وهناك.
انظروا إلى هذا الفكر في ذلك الزمن عرف المسلمون التخصصات في داخل المستشفى الواحد، فإذا لم تكن المستشفيات بهذه الصورة لكثر المرضى، أما مستشفى باريس فقد ظل عشرات السنين منذ إنشائه يرتاده الكثير من المرضى، فالمرأة تلد بجوار الرجل المكسور، وبجوار الذي عنده جذام وهكذا، فكلهم في غرفة واحدة، أما المستشفيات الإسلامية فقد عرفت التخصص من أولها، بل إن أول مستشفى إسلامي الذي أنشئ في عهد الوليد بن عبد الملك كان مستشفى متخصصاً في الجذام وعرف المسلمون المستشفيات المتخصصة في كل مجال، ففي داخل المستشفى الواحد أكثر من قسم، فهناك قسم للعيون، وقسم للعظام، وقسم للأمراض الباطنية، وقسم للجراحة وهكذا، وهناك مستشفيات كاملة متخصصة في كل فرع.
وعرف المسلمون أيضاً المستشفيات التعليمية، فقد كان أبو بكر الرازي رحمه الله من أوائل المعلمين في تاريخ المسلمين، فقد كان لديه شبه جامعة كاملة في داخل المستشفى الذي كان يرأسه في بغداد، وكذلك فعل علماء المسلمين بعد ذلك في كل مكان، وكانت هناك اختبارات لإتقان الصنعة؛ لتُعطى رُخصة لتمارس الطب، فتُختبر وتأخذ رخصة بعد المرور على مجموعة من كبار وعظماء الطب في القطر الذي أنت فيه، وكان من أشهر المدن في هذا الأمر بغداد، ففي إحدى الامتحانات كان هناك أكثر من (٣٠٠) طبيب في مدينة بغداد فقط متخصصون في فروع مختلفة من فروع الطب.
وهناك المكتبات التي كانت موجودة في داخل المستشفيات، مكتبات هائلة.
وعلى سبيل المثال: مكتبة ابن طولون في مستشفى ابن طولون في القاهرة، هذه المكتبة كانت تضم كتباً في علم الطب، وعلم الصيدلة، وعلوم النبات، والكيمياء، وعلوم الفقه الخاصة بالطب وكل ما له علاقة بالطب، مكتبة في داخل المستشفى، وكان فيها مائة ألف كتاب متخصصة في علم الطب.
في مكتبة مستشفى أحمد بن طولون وحدها مائة ألف كتاب، وليست مكتبة عامة من المكتبات الكبرى الرئيسية، بل مكتبة في مستشفى وفيها مائة ألف كتاب، وهذا شيء مهول.
وعندما كان يدخل المريض المستشفى يكشف عليه طبيب من الأطباء العامين، كما نسميه في هذا الوقت: ممارس عام، ثم يحوله بعد ذلك إلى القسم الخاص به، فأول ما يدخل القسم يخلع جميع الملابس التي كان يلبسها، وتؤخذ هذه الملابس وتغسل وتوضع في كيس؛ ليأخذها وهو خارج أو تُلقى إن كانت قديمة، ويُعطى ملابس جديدة من المستشفى، وهذا من أهم الأشياء لوقف العدوى، إن كانت هناك أمراض معدية في داخل المستشفى، وبعد أن يدخل يوضع في قسمه ويُعالج فترة العلاج، وتجري عليه الأرزاق، ومعظم العلاج في المستشفيات الإسلامية كانت مجانية لكل الناس؛ لأن الكثير من أغنياء المسلمين كانوا يوقفون الأوقاف على علاج مرضى المسلمين، بل إن هناك من كان يوقف الوقف لإنشاء مزارع للنباتات الطبية بجوار المستشفيات، فتوضع مزارع كاملة تُزرع فيها كافة الأعشاب الطبية، وكافة النباتات الطبية اللازمة؛ لاستخراج الدواء النافع لهؤلاء المرضى.
وكان المريض في فترة وجوده في داخل المستشفى يأكل مجاناً، ثم عندما يخرج يُعطى مبلغاً من المال يكفيه للبقاء في بيته فترة النقاهة؛ حتى لا يعمل.
انظروا إلى مدى السمو في الفكر! ومدى الرقي في التعامل مع المرضى! لم تصل بلاد أوروبا إلى هذا الفكر حتى في زماننا هذا.
إذاً هذا شيء هام جداً في تاريخ المسلمين، واشتهر في تاريخ المسلمين المستشفى العضدي في بغداد، والمستشفى النوري في دمشق، وهذا المستشفى نسبة إلى نور الدين محمود رحمه الله، وكان من أعظم المستشفيات، فقد ظل المستشفى النوري الذي أنشأه نور الدين محمود رحمه الله يعمل أكث