[تأثير ظروف الحياة في طلبة العلم والعلماء]
تعالوا نرى الظروف: هل أثرت في حياة العلماء، أم هم الذين أثروا فيها، وأصبحوا في النهاية من أعظم علماء الأمة؟! بعد ما عرفت قيمة العلم سأعطيك في هذا اليوم درساً مهم جداً؛ لكي تكون عالماً، هذه كلمة قالها يحيى بن أبي كثير رحمه الله وهو من التابعين وهذه الكلمة موجودة في صحيح مسلم، وهي ليست من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن من كلمات يحيى بن أبي كثير رحمه الله قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم.
يعني: إذا كنت تريد أن تصبح عالماً فلا تركن إلى الراحة والدعة، بل لابد أن تتعب في تحصيل العلم؛ ولهذا سئل الشافعي: كيف طلبك للعلم؟ قال: كطلب المرأة المضلة ولدها ليس لها غيره.
كيف يكون حال المرأة التي عندها طفل واحد فضاع عليها؟! فـ الشافعي رحمه الله يبحث عن العلم كبحث هذه المرأة عن ولدها الضائع.
إذاً: عرفتم قيمة العلم عند الشافعي، بهذا أصبح الشافعي رحمه الله عالماً كبيراً وإماماً عظيماً.
لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا هناك ناس تظن أن العلم درس أو درسان أو محاضرة أو محاضرتان، وأن الدكتور سيعطي لنا وصفة هائلة، وسنصبح علماء الأمة، والناس تأتي متحمسة لدرس هذا اليوم، كيف تصبح عالماً؟ والحمد لله سنخرج من المسجد ونحن علماء الأمة، أقول: هذا مستحيل، نحن نحتاج إلى سنين وسنين وإلى عمر طويل ينفق في العلم، من أول ما تعتقد هذا الاعتقاد السليم وإلى آخر نفس يخرج من صدرك، وسنضرب بعض الأمثلة لبعض العلماء الذين يطلبون العلم وهم يحشرجون حشرجة الموت، في آخر لحظة من لحظات الحياة يبحثون ويطلبون على العلم.
لعلكم سمعتم كلمة أحمد بن حنبل رحمه الله المشهورة: من المحبرة إلى المقبرة.
يعني: أنا معي محبرة العلم إلى أن أدخل القبر بها.
والإمام أحمد بن حنبل كانت حياته صعبة جداً، من نشر سنة وجمع حديث وتعليم لناس، وتعذيب في السجون حياة صعبة جداً، وسئل: متى تستريح يا إمام؟ قال: عندما أضع قدمي في الجنة.
الدنيا لا توجد فيها راحة، إذا كنت تريد أن تصبح عالماً فاتفق معنا في هذا الوقت وعاهد ربك أنك لن تستريح حتى تصبح عالماً، وستبقى في طلب العلم حتى الموت؛ لأن ما تطلبه غال جداً: (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) (ليس الإيمان بالتمني).
يذكر ابن الجوزي رحمه الله عن أحد الفقهاء أنه قال: بقيت سنين أشتهي الهريسة ولا ألقاها؛ لأن بائع الهريسة يبيعها في وقت الدرس.
فهو لا يريد أن يترك الدرس من أجل الهريسة، كانوا أصحاب نفوس عالية، وفي النهاية أصبح عالماً من علماء الأمة، والله سبحانه وتعالى يضرب لنا الأمثال بأعظم الخلق وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
كلنا يعلم قصة موسى عليه السلام مع الخضر، وموسى عليه السلام ليس نبياً فقط ولكن من أولي العزم من الرسل، ومع ذلك عندما أعلمه الله عز وجل أن في الأرض من هو أعلم منه وهو الخضر رحمه الله قال موسى كما حكى ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عنه: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف:٦٠]، يعني: لو جلست سنين وسنين للبحث عن الرجل الذي يملك علماً أكثر مني، حتى لو كنت أنا رقم (٢) في العلم في العالم فسأبحث عليه حتى أتعلم العلم الذي عنده، ولما ذهب إليه تواضع له وقال: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:٦٦].
الذي يتكلم نبي من أولي العزم من الرسل، وهذه كلمات جاءت في كتابنا تعليماً لنا، انظروا إلى التواضع للعلماء، يتواضع له ويشترط عليه الخضر ويوافق على الشرط ويسير معه، ويعتذر له مرة وثانية وثالثة، لماذا؟ لأن قضية العلم قضية مهمة، حتى موسى عليه السلام يبحث عن العلم بهذه الصورة كما جاء في القرآن، وكما ورد في البخاري.