كلنا يشاهد ما يحدث لأمة الإسلام هنا وهناك، وجلسنا في هذا المجلس في هذا المسجد منذ شهور نتحدث عن مصابنا في حبيبنا صلى الله عليه وسلم، عندما رسمه الرسامون الدنماركيون بما رسموه، وجلسنا أيضاً في هذا المسجد قبل ذلك نتحدث عن الحصار الذي قام به أعداء الأمة لحماس عندما صعدت إلى الحكم في فلسطين، وجلسنا قبل ذلك بشهور وسنوات نتحدث عن أزمات مشابهة مرت في فلسطين وفي لبنان وفي العراق وفي أفغانستان وفي السودان وفي الشيشان، وهكذا، والآن سمعنا ما تحدث به البابا، {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[آل عمران:١١٨] تتوالى الضربات للأمة الإسلامية فلا بد من وقفة، لا بد أن نعرف ماذا يحدث؟ كنا قد حللنا أسباب ضعف الأمة الإسلامية التي تجرأ عليها عدوها بهذه الصورة في محاضرات سابقة.
وسآخذ مرضاً واحداً من هذه الأمراض وأظن أننا لو عالجناه لكانت البداية صحيحة إن شاء الله رب العالمين، أنا منشغل هذه الأيام وقبلها بدراسة كيف تُبنى الأمم؛ سواء كانت هذه الأمم إسلامية أو غير إسلامية، هناك بعض الفروقات بين أمة الإسلام وغيرها من الأمم وهي فروق هامة، لكن هناك قواعد عامة تطبق على كل الأمم، كيف تُبنى الأمم؟ كيف تتحول أمة ضعيفة إلى أمة قوية؟ كيف تتحول أمة تابعة إلى أمة متبوعة؟ كيف ترفع أمة عن كاهلها الظلم والاستبداد والقهر؟ كيف بُنيت أمة الإسلام؟ وكيف بُنيت الأمم المعاصرة لنا من غير أمة الإسلام؟ سأراجع في هذه الدراسة الدول المعاصرة لنا إسلامية كانت أو غير إسلامية، التي تحولت في خلال خمسين سنة أو ستين سنة من دولة ضعيفة فقيرة مهيضة الجناح إلى دولة قوية لها كلمة مسموعة في العالم، ندرس في هذه التجارب مثلاً: تجربة كوريا الجنوبية، تجربة اليابان، تجربة ألمانيا، تجربة أمريكا، تجربة ماليزيا، تجربة إيران، بل ندرس تجربة إسرائيل التي زُرعت في باطن البلد الحبيب فلسطين، نسأل الله عز وجل أن يحررها كاملة.
هناك عوامل مختلفة كثيرة تؤدي إلى بناء أمة، منها على سبيل المثال لا الحصر: القوة، فالبلاد التي مُكّنت في الأرض ورفعت رأسها بلاد قوية في الأغلب، لكن هناك بلاد ضعيفة أيضاً عسكرياً ومع ذلك لها كلمة مسموعة، هناك الوحدة في الصف سواء في الدولة الواحدة أو بين أكثر من دولة، هناك الشورى أو عندهم الديمقراطية، هناك الأخلاق الحسنة، هناك الانتماء إلى البلد الذي يعيشون فيه، هناك عوامل مختلفة، لكن كل هذه العوامل لا يستقيم لها أن تبني أمة إلا بأساس هام جداً واحد، للأسف الشديد هذا العامل تفتقده الأمة الإسلامية الآن، وإن اكتسبته الأمة الإسلامية كما أمر به الشرع الحنيف، فإنها بإذن الله تبدأ أول الطريق، هذا العامل هو العلم.
لا توجد دولة من الدول القوية التي رفعت رأسها في العالم وحسّنت من اقتصادها وقويت شوكتها واستُمع إلى كلمتها متخلفة في مجال العلوم.
فالعلم أصل يجمع كل هذه الدول، وليس في هذا أي تعارض مع ديننا، بل تدبروا وتفكروا في ديننا، وأنا أهتم جداً بالإحصائيات والأرقام، وأهتم جداً بأوائل الأشياء، فما بالكم لو كانت هذه الأرقام وهذه الأوائل من الأشياء في كتاب ربنا وفي سنة حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وفي سيرته العطرة عليه وعلى الأنبياء أفضل الصلاة والتسليم؟!