الصفة السادسة: أن ينقل العلم إلى غيره، لا يقف العلم عنده، لكن يورث العلم إلى الآخرين، وإليكم كلمة معاذ بن جبل رضي الله عنه إمام العلماء يوم القيامة قال رضي الله عنه وأرضاه: وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة.
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:(خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
إذاً: لابد أن ينقل العلم إلى غيره، وهذه كلمة رائعة لـ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول فيها: إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فليظهره؛ فإن كاتم ذلك العلم ككاتم ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يعني: لو جاء زمن يلعن فيه الناس الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ويسبونهم، فمن كان عنده علم في الدفاع عن هؤلاء الصحابة فليظهره، لابد أن تعلم هذا العلم؛ فإن كاتم ذلك ككاتم ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: لابد أن تعرف هذا العلم وتعلم هذا العلم للناس، وقد يفتح لنا هذا الأمر إن شاء الله باباً للحديث عن أمور الفتنة التي دارت بين الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ليس من باب الخوض فيها، ولكن من باب الدفاع عنهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا يحتاج إلى تفصيل في مجموعة أخرى من المحاضرات.
ولعلنا كذلك نتساءل: يا ترى ما الفرق في المذهب الفقهي أو في العلم الذي كان عند الشافعي رحمه الله وعند الإمام الليث رحمه الله؟ معظم الناس الذين يصفون أحوال العلماء تذكر أن الإمام الليث كان على درجة عالية جداً من العلم كـ الشافعي أو يعلوه أو دونه بقليل، يعني: في مستوى متقارب مع الشافعي، لكن لماذا نعرف علم الشافعي ولا نعرف علم الليث رحمه الله؟ لأن تلاميذ الشافعي كانوا كثر، فهو علم العلم لعدد كبير فنشروا علمه هنا وهناك، بينما كان تلاميذ الليث قليل، وهكذا كان الرازي رحمه الله من علماء المسلمين المشهورين في الطب، فهو من أجل علماء العالم كله في الطب، وكانت للإمام الرازي رحمه الله مدرسة، فكان يعمل أبحاثه وتجاربه ويكتب كتبه، وكان يجلس كل يوم مع طلبة العلم في مجلس يعلمهم أمور العلم الطبي التي يعرفها، ويقرأ معهم في الكتب، ثم يقوم بجولة معهم على المرضى، ثم يعود ويتدارس معهم هذا العلم، لم يكتم علمه ولم يحتفظ بعلمه لنفسه فقط، فورث العلم، واستفادت ليس أمة الإسلام فقط، ولكن البشرية بكاملها من علم الرازي رحمه الله.