ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه عشر من الفطرة قال:«عشر من الفطرة» والفطرة هي السنة يعني سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكن ليس معنى ذلك أنها السنة المستحبة وأنها لا تكون إلا مستحبة لأن السنة سبق أن مر بنا أنها تطلق إطلاقات أربعة فتطلق بمعنى كل ما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- من القرآن والسنة فإنه يقال له سنة ويدل له قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من رغب عن سنتي فليس مني» والمقصود بذلك هو السنة والمنهج والطريقة التي كان عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي العمل بما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا من الفطرة التي هي من السنن ولكن كما هو معلوم أن من السنن ما هو واجب ومتعين ومنها ما هو مستحب وهذا الحديث الذي فيه عشر من الفطرة يعني فيه ما هو واجب ومتعين وما هو مستحب، فمنها قص الشارب وهي الأولى فلا يترك حتى يطول وينزل على الفم وإنما يقص ويكون القص بالمقص وذلك بأن يؤخذ بعضه ويترك بعضه وقد جاء في بعض الروايات:«جزوا الشوارب» وبعضها: «قصوا الشوارب» فهذا من سنن الفطرة التي جاءت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإعفاء اللحية وهذه من الأمور الواجبة المتعينة التي ليس للإنسان أن يتهاون بها فلا يحلق لحيته ولا يقصرها وإنما يعفيها ويتركها وقد جاءت في ذلك السنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قوله وفعله وتقريره لأن سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تعرف بأمور ثلاثة بفعله وقوله وتقريره ولهذا يعرف المحدثون السنة أو الحديث فيقولون: ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خلقي أو خلقي هذه سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو حديثه، ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول قاله أو فعل فعله أو تقرير بأن فعل في حضرته شيء وأقره فإنه يكون سنة أو وصف خلقي بأن يكون وصف خلقته -صلى الله عليه وسلم- وأنه ليس بالطويل البائن ولا
بالقصير وإنما هو وسط معتدل بين الرجال أو خلقي يعني كونه شجاعا وكريما وحليما وغير ذلك من أخلاقه الكريمة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى هذا فإن إعفاء اللحى اجتمعت فيه الأمور الثلاثة التي تعرف
بها السنة القول والفعل والتقرير، القول:«أعفوا اللحى» وفي بعضها: «أرخوا اللحى» فقد جاء بصيغ متعددة والفعل كان معفيا للحيته كان لا يأخذ منها شيئا كان كث اللحية -صلى الله عليه وسلم- ووجهه أجمل الوجوه وأحسن الوجوه وكان كث اللحية -صلى الله عليه وسلم- ما كان يأخذ منها شيئا، وقد ورد حديث ضعيف في سنن الترمذي وفيه راو متروك هو عمر بن هارون البلخي الذي قال:«كان -صلى الله عليه وسلم- يأخذ من عرضها وطولها» فهذا فيه رجل متروك ولكن الأحاديث التي وردت إنما هي كونه يعفي لحيته وما كان يأخذ منها شيئا ولهذا الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يعرفون قراءته في الصلوات السرية عندما يكون أمامهم يصلي بهم يعرفون قراءته باضطراب لحيته لأن العوارض من اليمين والشمال يرونها وهم وراءه -صلى الله عليه وسلم- وهي تتحرك بالقراءة كون هذا الشعر عوارضه من يمين وشمال يرونه من ورائه فهذا من فعله وأما تقريره فأصحابه أصحاب لحى وكان يراهم ويقرهم على ذلك فإذا الأمور الثلاثة التي يعرف بها السنة اجتمعت كلها في إعفاء اللحى، وقد ذكر شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان في تفسير سورة طه عند قصة هارون وموسى قال:(يابنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) قال هذا يدل على أن إعفاء اللحى أنه من سنن المرسلين ثم قال ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كان كث اللحية وكان وجهه أحسن الوجوه ثم قال إن الذين فتحوا البلاد وجاهدوا في سبيل الله وأخذوا كنوز كسرى وقيصر ليس فيهم رجل حالق يعني كلهم أصحاب لحى ما يحلقون لحاهم، إذًا هذه الخصال التي من الفطرة منها ما هو مستحب مثل السواك ومنها ما هو واجب مثل إعفاء اللحية، والسواك هذا استعمال
السواك وقد مر بنا الأحاديث العديدة المتعلقة بالسواك، واستنشاق الماء هو عند الوضوء يعني كون الإنسان يستنشق الماء بأن يجذبه إلى داخل أنفه ثم يخرجه وهذا في الوضوء وقد اختلف فيه، من العلماء من قال أن الاستنشاق والمضمضة من الأشياء المستحبة وأن الإنسان لو لم يفعلها صح وضوءه ومنهم من يقول إنها واجبة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بين غسل الوجه الذي جاء في القرآن:(فاغسلوا وجوهكم) كان تمضمض واستنشق -صلى الله عليه وسلم- فكانت السنة مبينة لما جاء في القرآن فبعض أهل العلم قال إنه مستحب أي المضمضة والاستنشاق ومنهم من قال إنها واجبة وأن غسلها مثل غسل الوجه وأنه جزء من غسل الوجه وأن الوجه يغسل ومنه المضمضة والاستنشاق، وقص الأظفار تقليمها لا تترك تطول حتى يكون منظرها سيئا يعني قبيحا وإنما تقص
لاسيما وأنه يدخل تحتها شيء من الوسخ والقذر والإنسان عندما يأكل قد يعني يصل إلى جوفه شيء مما تحت أظفاره من الأشياء التي قد تحصل أحيانا يكون تحتها شيء من الأوساخ القذرة، وغسل البراجم قيل هي العقد عقد الأصابع ومفاصلها وذلك أن الإنسان يعني للوضوء لابد أن يأتي على جميع اليدين من أطراف الأصابع إلى ما بعد المرفقين بحيث تدخل المرافق في الغسل والماء إذا جاء لليدين فإنه يحصل به المقصود ولكن السنة أن الإنسان يدلك إحدى يديه بالأخرى عندما يتوضأ بحيث يصل الماء إلى جميع أجزائها وإلى مفاصلها وعلى ما يكون بينها وإلا الواجب يحصل بحصول الماء على اليد وإن لم يحصل في ذلك فإذًا يكون ما يتعلق بغسل البراجم أن هذا يكون من قبيل المستحب لأنه زائد على وصول الماء إلى الكفين، ونتف الإبط وكذلك إذا لم يمكن نتفه فيمكن حلقه ولكن نتفه يكون فيه طول أمد عدم خروجه ونتفه لأنه يكون في مكان فيه رطوبة وفيه لين بحيث يعني نتفه يكون سهلا ليس مثل الشيء البارز مثل الشارب فإنه لا ينتف وصعب نتفه وكذلك العانة يعني نتفها صعب وأما الإبط جاء نتفه لأن حصول ذهاب الشعر بالنتف سهل لأنه مكان فيه رطوبة التي هي من العرق الذي يكون في الإبط، وحلق العانة إزالتها والحلق يكون بالموس يعني إزالتها من أصلها، وانتقاص الماء الذي قيل أنه الاستنجاء يعني عندما يريد يقضي حاجته فإنه يستنجي بالماء لأنه فيه الاستجمار والاستنجاء فالاستجمار بالحجارة وذلك بأن يزيل الأشياء التي قد تكون لها جرم بالحجارة ثم يأتي الماء ويزيل الأثر، قال مصعب فنسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة لأن الاستنشاق ذكر في الحديث والمضمضة لم تذكر فإذا تكون المضمضة والاستنشاق، والحديث صحيح ثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.