ولد شيخ الإسلام ابن تيمية سنة (٦٦١هـ) ونشأ في أسرة عريقة امتلأت بالفقه والحكمة والعلم، وامتلأت بالكرم والسخاء والشجاعة، فلذلك نبتت لنا هذه النبتة، هي نبتة شيخ الإسلام ابن تيمية، قد ولد في حران وجلس فيها حتى سن السابعة من عمره، ثم بعد ذلك لما هجم التتار عليهم فرقوهم أوزاعاً فرحلوا إلى الشام، وكان أبوه عبد الحليم من علماء الحنابلة، وكان من علماء الحديث، وكان مدرساً لعلم الحديث في الشام، وهو الذي أجلسه مجلسه بعدما أصبح شاباً يافعاً حافظاً لعلم الحديث، فانتقل والده بسبب التتار إلى الشام.
وهذا الطفل الصغير كان كريماً شجاعاً ناسكاً عابداً لله جل في علاه.
فقد ظهرت نجابته أولاً في المناظرة بينه وبين أبيه عندما عاتبه على الرحيل من حران، فقال لوالده: لم تترك حران؟ فقال: التتار لا يتركون أخضر ولا يابساً إلا أتوا عليه وأكلوه وأنهوا أمره وقتلوا من في البلدة، فناظره بكلمات واستدل بآيات يستدل بها كثيراً في هذا الكتاب، فقال لأبيه: ألم يقل الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ}[التوبة:١٤]، فلا بد من الجهاد، والله ينصر المجاهدين في سبيله.
لكن قدر الله الرحلة إلى دمشق، فلما رحل إلى دمشق كانت فاتحة الخير عليه.