للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قصة ابن أبي السرح وإهدار رسول الله لدمه]

كذلك من السنة التي تدل على أن الذي يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنقص من قدره ومقامه يكفر: ما حدث في غزوة حنين -وهذا الحديث أيضاً فيه ضعف- ففي غزوة حنين أيضاً: (قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم عندما أعطاه فقال له: لا أحسنت ولا أجملت)، وفي رواية قال: (ولا عدلت) يعني: لا عدلت في قسمة الغنائم.

(فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه)؛ لأنه وقع في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه واضحة الدلالة وأنا لم أذكرها أولاً لضعفها، فجئنا بها استئناساً.

كذلك فمن الأدلة من السنة: قصة ابن أبي السرح، وهذا قصته عجيبة فـ ابن أبي السرح قريب لـ عثمان بن عفان كان قد أسلم، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه القرآن على سبعة أحرف، فكان يقول له: اكتب: تبينوا، فيكتب في الآية: تثبتوا، وهي تقرأ تبينوا، وتقرأ تثبتوا، ويقول اكتب: سميعاً عليماً، فيكتب: سميعاً بصيراً، فكان يكتب ذلك ويكتم هذه الكتابة، ثم بعد ذلك ارتد عن دين الله جل في علاه -نعوذ بالله من الخذلان- وبعدما ارتد قال: والله لا يدري محمد ما أكتب، فأنا الذي أكتب له هذا، فأدخل على الآيات ما لا يعرفه محمد، فكان يأمره أن يكتب مثلاً: سميعاً عليماً فيكتبها: سميعاً بصيراً، ولذا زعم لقريش أن محمداً لا يدري ما يقول، يقول: وكنت أدخل عليه بعض الكلام كأنه يلقن النبي صلى الله عليه وسلم فيتلقن - حاشا لله! - وهذا انتقاص من قدر رسول الله، لكن كيف يكون هذا انتقاصاً من قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! هذا فيه انتقاص للنبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: فيه تكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عندما يقول: أنا الذي أكتب والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اكتب والله! ما يخرج منه -أي: فيه- إلا الحق والصدق).

وقال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر الوحي في كل سكناته وحركاته وكلماته، فمعنى قوله: أنا أدخل عليه أو أكتب له فيتلو على الناس ما أدخلته عليه، دليل على أنه ليس بوحي، فكأنه يعرض بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كذاب، حاشا لله وحاشا لرسوله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي.

الوجه الثاني: التشكيك في حفظ النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه إذا جاءه الوحي لم يضبطه وضبطه الثاني فأكمل.

الثالث: يستلزم من ذلك نفي نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.

فهذه ثلاثة وجوه فيها تنقيص لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك أهدر النبي دمه وأمر بقتله، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي مكة وعلى رأسه المغفر أمر بقتل ابن أبي السرح، لكن ابن أبي السرح كان ذكياً فذهب إلى عثمان رضي الله عنه وأرضاه وكان قريباً له، فجاء عثمان يستشفع، انظروا إلى هذه القصة الرائعة التي تبين لكم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهدر دم أحد لا يرجع فيه، ومع ذلك وفاؤه يمنعه من أن يقتل، فقد دخل عثمان ليشفع لـ ابن أبي السرح ويقول: يا رسول الله بايع ابن أبي السرح والنبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه، فهو لا يريد المبايعة، فيقف عثمان ملحاً على رسول الله والرسول صلى الله عليه وسلم يعرض عن ابن أبي السرح ولا يريد أن يبايعه؛ لأنه فعل أمراً فيه منقصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهدم لشرع الله جل في علاه، وهدم لدين الإسلام كلية، ولذا نحن نقول: طلبة العلم الذين يرفعون شعار الدين وينشرونه بين الناس الغيبة فيهم أشد بكثير من الغيبة في عوام الناس؛ لأن الغيبة في العلماء معناه أن تسقط قدر العلماء بين العامة فيسقط الشرع بذلك؛ لأنهم حملة الشرع، فما بالكم بالذي أتى بالشرع نفسه؟ فإن الانتقاص من قدره انتقاص من كلية الشرع، فلذلك ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبايع ابن أبي السرح حتى ألح عليه عثمان وجاءه ابن أبي السرح فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بعدما بايعه عاتب صحابته الكرام فقال: (أما كان فيكم رجل رشيد؟ أما قام أحدكم ليقتله؟!) فانظروا النبي صلى الله عليه وسلم الذي وصفه الله جل في علاه أنه بالمؤمنين رءوف رحيم ما أراد أن يرحم ابن أبي السرح، وأراد قتله، لأن هذا قد كتب في اللوح المحفوظ، لكن لم يفقه الصحابة ذلك، وقد قدر الله كوناً أن يعفى عن ابن أبي السرح، ولعل في قلبه من الإيمان شيء، فقبله الله جل في علاه وما استفاق أحد من الصحابة ليقتله؛ ولذلك عاتبهم الرسول صلى الله عليه وسلم بلهجة شديدة قال: (أما كان فيكم من رجل رشيد يقوم فيقتله عندما رآني لا أبايعه؟ قالوا: يا رسول الله! لو أومأت لنا).

يعني: غمزت بعينيك.

فقال: (ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين) وهذه أمانة ليس بعدها أمانة لهؤلاء المغفلين الذين يقدحون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما كان لرسول أن تكون له خائنة أعين).

فكتب الله وقدر كوناً أن يحيا هذا الرجل على الإسلام، ويموت على الإسلام، فالحمد الله الذي أنجاه الله من نار جهنم.

<<  <  ج: ص:  >  >>