[الأدلة الواردة من السنة على نقض عهد الذمي والمستأمن إذا سب رسول الله]
أما الأدلة الواردة من السنة فهي كثيرة جداً، سنقتصر على بعضها: الحديث الأول -هو فاصل في النزع وحجة على الأحناف- حديث كعب بن الأشرف، وكان يهودياً عاتياً جباراً متكبراً وكان معاهداً للنبي صلى الله عليه وسلم في وقت ما كانت المدينة من القوة بمكان حتى يأخذ عليهم الجزية، ولكن كان بينهما مهادنة وموادعة، فكان كعب بن الأشرف يهجو رسول الله ويسبه؛ فقال النبي -وهذا وهو وجه الشاهد الذي سيأتي- صلى الله عليه وسلم:(من لـ كعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى الله ورسوله؟) مع أنه ما سب الله وهذا الحديث يحتاج إلى تفسير، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين:(من لـ كعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى الله ورسوله؟) وكيف يؤذي الله وهو لم يسب الله جل في علاه؟ إنه آذى رسول الله، وإيذاء الرسول إيذاء لله جل في علاه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(من لـ كعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى الله ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله! أنا له، لكن ائذن لي أن أتكلم فيك) يعني: أنه سيكلمني عليك وسأتكلم فيك فائذن لي، فقتله بعد أن جعل النبي صلى الله عليه وسلم دمه هدراً، فلما جاء اليهود قالوا: قتل غيلة، من الذي قتله غيلة؟ محمد بن مسلمة.
جاء اليهود إلى رسول الله وقالوا: إن كعب بن الأشرف قتل غيلة، فطلبوا العهد منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنه قد آذى الله ورسوله، ومن فعل ذلك منكم فليس له إلا السيف) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا وجه شاهد آخر.
إذاً: فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قال له محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أقره على ذلك وجعل دمه هدراً، وما أعطاهم الدية، ولما جاءوا يشتكون لرسول الله لم يسمع لهم صلى الله عليه وسلم أبداً، بل قال لهم:(من فعل ذلك منكم فليس له إلا السيف) فهذه دلالة واضحة جداً أن المعاهد ينتقض عهده، وأن المستأمن من باب أولى ينتقض أمانه، وأن الذمي ينتقض عهد ذمته إن سب رسول الله؛ والمسلمون في هذه الآونة كانوا في ضعف ومع ذلك نقضوا العهد، وقتل كعب بن الأشرف من أجل رسول الله بأبي هو وأمي.