كان شجاعاً يجاهد في سبيل الله باللسان وبالسنان، ولك أن تعلم أن في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية انتشر مذهب الأشاعرة على أنه مذهب أهل السنة والجماعة، وهذا النووي وغير النووي وقبل النووي وبعد النووي فكلهم كانوا في دمشق يعلمون أن المذهب الحق هو مذهب الأشاعرة، ويحسبون أنه مذهب أهل السنة والجماعة، ناهيك عن انتشار النصارى واليهود، وناهيك أيضاً عن وجود الرافضة والشيعة والصوفية، وغير هؤلاء.
فناضل شيخ الإسلام ابن تيمية وناظر كل مبتدع ضال في بدعته، فكان يناظرهم جميعاً، ومن شدة تحريه لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ونشر الدين الصحيح، والتأصيل العقدي السديد الصحيح كما كان عليه السلف الصالح، فإن رسائله كلها التي سجن من أجلها تبين لك كيف انبرى لهؤلاء الفرق المتعددة المبتدعة؛ ليبين لهم العقيدة السديدة عقيدة السلف.
ومن هذه الرسائل: الرسالة الحموية، والرسالة الواسطية، فكل هذه الرسائل التي صنفها ابن تيمية كانت رداً على هؤلاء المبتدعة، وكان يبين فيها العقيدة الناصعة البيضاء عقيدة السلف الصالح.
فكان يناظر باللسان، وكان يجاهد في ساحة الوغى، فلم يكن عالماً متقاعساً بل كان يجاهد باللسان وبالسنان.
أما جهاده بالسنان: فهو لما وقف قازان على أبواب دمشق وكاد يدمر كل دمشق، قام شيخ الإسلام ووقف في وجهه معلناً أنه عبد لله جل في علاه لا يخاف إلا من الله، فقال لصاحب القلعة أو لأمير البلدة الذي كان يتحصن في القلعة: لا تسلم القلعة، وإن لم تجد من السيوف والرماح، وحتى لو قاتلت بالأظافر وبالأحجار فلا تسلم القلعة، ثم ذهب إلى قازان وكان قد أسر من المسلمين وأسر أيضاً من الذميين، فكلمه كلاماً شديداً بلهجة شديدة، لا سيما وأن قازان كان قد أعلن وأشهر إسلامه بين الناس، فاشتدت عليه الوطأة من شيخ الإسلام ابن تيمية حتى ارتجف ورعب قلب قازان، فسلم له الذميين قبل المسلمين ثم سلم له المسلمين ورحل عن الشام، فلما عاودته وساوسه مرة ثانية أن يأتي ويقتحم الشام واجتمعت التتار لهلاك المسلمين، ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية يستنفر الناس، ومنهم: قلاوون؛ لأنه كان أميراً للمؤمنين في تلك العصور، وكان في مصر فذهب إليه وقال له: والله إن لم تكن حاكماً للشام ومصر، واستنفروك في الدين فعليك النصر لزوماً ووجوباً، من قول الله تعالى:{وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}[الأنفال:٧٢] فاستنفر السلطان قلاوون الناس وحثهم على القتال وكانت المعركة في رمضان، وكان شيخ الإسلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالفطر في ساحة الوغى؛ ليتقوى المسلمون على أعدائهم، وكان يقول لكل أمير يستنهضه أو يستحثه على القتال: قاتلوا والنصر لكم، فقال له رجل: لمَ لم تقل: إن شاء الله، فقال له شيخ الإسلام ابن تيمية بقلب ثابت راسخ مستيقن بربه جل في علاه: أقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً.
هذا يقين بالله جل في علاه، ولا تبعد إذا قلت: إنه قسم على الله، وكم من امرئ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، وقد كان النصر للمسلمين بسبب هذا الشيخ الذي كان شجاعاً في ساحة الوغى.