للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مفهوم قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)]

الصنف الثاني من الأدلة: صنف مستنبط ليس فيه دلالة صريحة، لكن الدلالة فيه بالمفهوم ومنه: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات:٢]، ثم قال معللاً لم لا يرفعوا أصواتهم على صوت النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ)) [الحجرات:٢]، وحبوط العمل وجه الدلالة من الآية، فحبوط العمل يدل على الكفر؛ لأنه لا يحبط عمله إلا من كفر بالله جل في علاه، والدلالة على ذلك من كتاب الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:٢]، فجعل حبوط العمل لأنهم رفعوا أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، فحبوط العمل يدل على الكفر، والدلالة على ذلك آيات من كتاب الله وليست آية واحدة.

قال الله تعالى مبيناً حبوط العمل: ((أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ)) يعني: لئلا تحبط أعمالكم، كأن الآية تفسر بأن الذي يرفع صوته على النبي يحبط عمله، ولذلك جاء في الآثار: (كاد الخيران أن يهلكا) وهما: أبو بكر وعمر، قال أحدهما: لـ الأقرع بن حابس والثاني يقول: ول فلاناً وعلت الأصوات عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله هذه الآية: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} [الحجرات:٢] فلا يمكن أن يحبط عمل الإنسان بحال من الأحوال إلا بالكفر، ولذلك قلنا: إذا راءى المرء في عمل معين فإنه يحبط هذا العمل فقط، لكن الأعمال كلها لا يمكن أن تحبط إلا بالكفر، والدليل على ذلك من كتاب الله قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:٦٥] إذاً: فالشرك ينبئ بحبوط العمل، وهناك آية أخرى تثبت أن حبوط العمل لا يكون إلا بالكفر، قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٢١٧] فدل ذلك أن الردة تحبط العمل.

وفي آية أخرى يقول تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:٣٣]، قال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهْ} [المائدة:٥] ففيها الدلالة على أن حبوط العمل يستلزم الكفر؛ لأن العمل لا يمكن أن ينهار ويلغى جميعه إلا بالكفر، فقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة:٥]، وهذا في الذي يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، أو يرفع صوته في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يعتبر من سوء الأدب فإن الله جل في علاه حذر الصحابة أن تحبط أعمالهم بهذا العمل، فإذا كان رفع الصوت يحبط العمل فمن باب أولى أن سب الرسول صلى الله عليه وسلم يكون سبباً للردة وحبوط العمل، ويسمى هذا قياساً جلياً.

فمن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات في لحظتها فهذا الذي كتب الله عليه الخلود في نار جهنم وقد حبطت أعماله كلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>