للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم المعاهد والمستأمن إذا سبوا النبي صلى الله عليه وسلم]

الحالة الثانية: أن يكون معاهداً أو ذمياً أو مستأمناً ولم أذكر المحارب؛ لأن المحارب سواء سب أم لم يسب فقد أهدر الله دمه، المحارب مهدور الدم وليس له حرمة بحال من الأحوال، والحرمة تأتي: إما بطلب الأمان، وإما بالعهد: كمعاهدة دولة إسلامية مع دولة أخرى كافرة كصلح مثلاً، فهذا معنى المعاهدة، أو يكون بالجزية فينزل تحت إمرة المسلمين وتحت حكم أهل الإسلام.

فنقول: هذه الحال الثانية -أن يكون مستأمناً أو معاهداً أو ذمياً- فلو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حكمه؟ هذه هي المسألة المعضلة بحق، فنريد أن نعرف حكمه إن كان ذمياً أو إن كان معاهداً، أو إن كان مستأمناً: كأن دخل بلدنا بتأشيرة الأمان بإذن ولي الأمر، ثم تعدى على رسول الله بالسب فهل حكمه أن ينتقض أمانه؟ أنا لا أقول: إن حكمه الكفر؛ لأنه كافر أصلاً، ولكن حرمة دمه كانت بأمور أخرى بينها الشرع، فالأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد باتفاقهم: أنه يقتل، وأن أمانه ينتقض، وأن عهده ينخرم، وأن عقد الذمة يبطل بذلك أو ينتقض بذلك، فهذا كلام الأئمة الثلاثة الفحول أساطين أهل العلم مالك والشافعي وأحمد على تفصيل في مذاهبهم، لكن اتفقت كلمتهم على أن من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجرأ على جنابه -بأبي هو وأمي- فإنه يقتل بذلك وينتقض أمانه وعهده، وخالف في ذلك أبو حنيفة رحمة الله عليه الإمام العظيم المبجل وقال: سب الرسول كفر، وهو كافر، فهذه لا تزيد على كفره كفراً أو نقول: حتى لو زادت فإنها تزيد في عذابه في الآخرة، فقال: لا ينتقض عهده بسبه للرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يقتل بذلك فهذا قول الأحناف، والراجح الصحيح هو قول الأئمة الثلاثة العظام: مالك وأحمد والشافعي، بأنه يقتل ويصير أمانه منتقضاً؛ لسبه للرسول صلى الله عليه وسلم وتعديه، وهذا واقع من ناحية الأثر والنظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>