للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قصة ابن خطل وإهدار النبي صلى الله عليه وسلم لدمه]

- كذلك من هذه الأحاديث: قصة ابن خطل، وهي قصة رائعة جداً تثبت لك أنه لا هوادة بحال من الأحوال مع من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن خطل هذا كان مسلماً، فمر ذات مرة في الصحراء مع صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندهم إبل الصدقة، فقد بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم ليجمعوها، فأمر ابن خطل الصحابي -وكان من وجهاء مكة- أن يصنع له طعاماً فأبى، فليس عبداً عنده ولا أسيراً، فأبى أن يصنع له طعاماً فماذا كانت النتيجة؟ قام فقتل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ إبل الصدقة؛ فخشي على نفسه، وقال: محمد لن يتركني - بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم -فرجع إلى مكة وارتد، ثم بعد ذلك أخذ يهجو رسول الله وينتقص من قدره، واتخذ جاريتين تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتغنيان بالسب في رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وأمر بقتله.

أولاً: حديث ابن أبي السرح هل فيه دلالة على الكلام على المسلم؛ لأننا الآن بصدد الكلام على المسلم؟ ثانياً: هل يصح هذا الحديث أن يستدل به على مسألة المسلم؟ وهل القتل الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم للردة أم لا؟ يعني: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل ابن أبي السرح هل هو لردته؟ فإن كان لردته فهل يكون دليلاً على أن الذي يسب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل أم شيء فوق ذلك؟.

ابن أبي السرح كان مسلماً، فارتد وتكلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقلته جزاء للردة أم لشيء فوق الردة؟ ابن خطل ارتد وكان أحرى بنا أن نأتي بالكلام على هذا الحديث في الكلام على المرتد، لكن هنا ابن خطل لما سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب، ولما علم أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة تعلق بأستار الكعبة، وهذا إشارة إلى الإسلام، فقالوا لرسول الله: إنه تعلق بأستار الكعبة؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن وجدتموه قد تعلق بأستار الكعبة فاقتلوه) فقاموا فقتلوه، وجه الدلالة من هذا الحديث: أنه إذا كان مسلماً وارتد فيمكن من مقاصد الشريعة أن النبي صلى الله عليه وسلم يتسامح معه ويعرض عليه التوبة؛ لأن من مقاصد الشريعة تشوف الإسلام لإسلام الكافر، فإن كان الإسلام متشوفاً لإسلام الكافر فـ ابن خطل إن رجع عن دينه فالإسلام متشوف أيضاً لإسلامه، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يعطه هذه الفرصة، وقتله تغليظاً عليه؛ لأنه انتقص من قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالسبب الرئيسي الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل ابن خطل مع عدم التجرؤ من الصحابة على القتل في الحرم؛ لأن القتل في الحرم ممنوع، بل بين النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة أنها ما أحلت له إلا ساعة واحدة من نهار، ومع ذلك قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لو تعلق بأستار الكعبة فاقتلوه).

وهذا لعظم الجرم حيث أنه قد أساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتقص من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>