للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)]

كذلك من أصناف الآيات: قول الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:٦٥]، ونحن نتكلم عن المسلم، كل هذه الآيات في المسلم، والآيات التي سبقت كانت في المعاهد أو الذمي؛ لأن هذا قد أسلم ودخل الإسلام وفي دائرة الإسلام له ما لنا وعليه ما علينا، يقول الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥]، فاشترط الله جل في علاه للإيمان في القلب وعدم انتفائه أولاً: أن يتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن المنافق كما بين الله جل في علاه في سورة النور إذا دعي إلى الله ورسوله أعرض ولم يسلم لله ولرسوله، فيبين الله جل في علاه أن من أسباب ثبوت الإيمان في القلب أن يتحاكم في المتنازع فيه إلى الله والرسول أو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد أن يتحاكم لا يجد في صدره حرجاً بحال من الأحوال، ثم يسلم تسليماً، فإذا انتفى واحد من هذه الثلاثة فلا إيمان في القلب، فإن تحاكم ولم يرض ولم يسلم أو وجد في صدره حرجاً فلا إيمان في القلب، فإن لم يسلم ويرض فلا إيمان في القلب، ولذلك قال بعضهم في هذه الآيات الكريمات: إن سبب نزول هذه الآية أن رجلاً ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من المنافقين، وكان بينه وبين يهودي مخاصمة فقال اليهودي: نذهب إلى محمد يحكم بيننا، فذهبا إلى رسول الله فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بينهما؛ فلم يرض المنافق ورضي اليهودي، فقال المنافق: والله لا أرضى حتى نذهب إلى أبي بكر فذهبا إلى أبي بكر فحكم بما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلم يرض المنافق حتى ذهب إلى عمر فقص عليه القصة: أنه تحاكم إلى رسول الله وتحاكم إلى أبي بكر ولم يرض هذا المنافق؛ فقال: ترضى بحكمي؟! فقال: نعم.

فدخل عمر بن الخطاب - وهذا الحديث فيه ابن لهيعة وفيه ضعف في إسناده لكن يستأنس به وهو شاهد للآية- دخل رضي الله عنه وأرضاه فأخذ السيف فاستله فضرب عنق المنافق، ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن من لم يرض بحكم رسول الله يكفر، فإن صح الدليل فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه، فهذه الآية مبينة لنا تبييناً واضحاً على أن من سب رسول الله أو آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر بذلك وحده القتل، ما وجه الدلالة من هذه الآية؟ وجه الدلالة من الآية: أن من سب رسول الله فقد كفر، قال الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥] فالقياس الجلي فيها أن الله نفى الإيمان عمن لم يتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفى عنه الإيمان إذا تحاكم ولم يرض، ونفى عنه الإيمان إن لم يسلم، فما بالكم بمن سبه وهو ليس بمتحاكم ولاراض ولا بمسلم، بل هو متسخط متكبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>