للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عمل القلب والجوارح]

أما عمل القلب فبالإجماع عند أهل السنة والجماعة أنه إذا تخلف عمل القلب -وإن وجد التصديق- فهو كافر لا يدخل الإسلام، فلو تكلم بلسانه كان منافقاً، وهذا النفاق نفاق اعتقادي يخرج به من الملة، ويكون مصيره الدرك الأسفل من النار، فمن لم ينقد لله جل في علاه ولا لأوامر الله جل في علاه فهو كافر؛ لأنه خالف تصديقه بفعله، إذا لم ينقد ولم يستسلم لله سبحانه وتعالى.

والاستسلام شرط وركن ركين من أركان الإيمان، وهذا بإجماع أهل السنة والجماعة، ولم يقل أحد بأن أعمال القلوب غير مرادة أو غير مأمور بها إلا المرجئة، فمن قال بذلك فقد وقع في زلات عجيبة جداً: فسيقول بأن إبليس مؤمن؛ لأنه قال: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر٣٩]، فهو أقر بالربوبية وصدق بأن الله جل وعلا هو الخالق الرازق المدبر، لكن كفر إبليس كان كفر إباء واستكبار، وعدم انقياد واستسلام لله جل في علاه.

إذاً: عمل القلب هو الركن الركين والأصل الأصيل في الدين، فلا يصح إيمان عبد بحال من الأحوال إلا بأعمال القلوب، من الإخلاص والإنابة والتوبة إلى الله جل في علاه، كما قال الله جل في علاه: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} [الإسراء:٢٥]، يعني: في قلوبكم، {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء:٢٥].

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، فمحل الإيمان هو القلب.

أما عمل الجوارح فهو يرتبط بعمل القلب، ولا يمكن أن ينفك عمل الجوارح عن عمل القلب، فإن ارتباط الظاهر بالباطن ارتباط وثيق.

ولذلك فإن الله جل في علاه بين لنا هذا الارتباط، بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة:٢٥]، فلا تجد آية ختمت بدخول الجنة إلا بعد أن اقترن الإيمان بالعمل الصالح.

وتجد النبي صلى الله عليه وسلم يبين ذلك جلياً؛ إما نصاً وإما تلميحاً، قال صلى الله عليه وسلم في الصلاة: (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم).

يعني: لا تختلفوا في الظاهر فتختلف قلوبكم، وهذه دلالة على أن الظاهر يؤثر في الباطن والعكس صحيح.

هذا هو الرد على المرجئة حتى يتبين للإخوة بطلان قول من قال بأن الذي يسب الله جل في علاه أو يسب الرسول سيئ الأدب أو ليس بكافر أو ننتظر حتى نقيم عليه الحجة ونزيل عنه الشبهة.

فهذا الكلام هو كلام المرجئة، ومن قال به فهو مرجئي، ولابد أن يُناصح ويناظر.

فالصحيح الراجح كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من قال: إن سب الرسول يحتاج إلى استحلال القلب، فهذه زلة منكرة وهفوة جسيمة عظيمة، فهذا إرجاء محض لابد أن يرد على صاحبه.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>