قال رحمه الله تعالى: [وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع، والبصر، والعين، والوجه، والعلم، والقوة، والقدرة، والعزة، والعظمة، والإرادة، والمشيئة، والقول، والكلام، والرضا، والسخط، والحب والبغض، والفرح، والضحك وغيرها، من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة عليه، ولا إضافة إليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه بتأويل منكر يستنكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[آل عمران:٧]].
نقف عند هذا، لكن يحسن التعليق على العبارة التي سبقت قبل قليل وهي قوله:(ويجرونه على الظاهر)، هذه العبارة في الحقيقة مزلة عند كثير من الناس الذين لا يفهمون معناها إذ قالها السلف، بمعنى: أنهم يمرّون نصوص الصفات على ظاهرها، ويعنون بذلك الظاهر الذي يفهمه المخاطبون في الجملة؛ لأن الظاهر ممكن أن يصرف على معنيين: المعنى الأول -وهو المقصود في صفات الله عز وجل-: وهو أن الظاهر منها في خطاب الله عز وجل حينما أخبرنا بأسمائه وصفاته كذلك حينما أخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم بأسمائه وصفاته، فإن ظاهر الخبر وظاهر النصوص إثبات ذلك على الحقيقة، فالظاهر هو الحقيقة التي تليق بالله عز وجل، فإذا سمعنا قوله عز وجل:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة:٦٤] فالظاهر من ذلك إثبات اليدين لله عز وجل حقيقة على ما يليق بالله، هذا معنى إجراء النصوص على ظواهرها عند السلف، بمعنى: أننا ما دمنا خوطبنا فالظاهر من الخطاب أو الأمر الذي يظهر من الخطاب أن الله ما خاطبنا إلا بالحقيقة، وقوله:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة:٦٤] ظاهرها إثبات اليد لله عز وجل على ما يليق بجلاله، فهذا المعنى الظاهر الذي هو الحقائق.
وهناك معنى آخر قد يقصد به كلمة الظاهر: وهذا المعنى هو الذي اضطرب فيه كثير ممن أخطئوا فهم أقوال السلف، أو لجئوا إلى هذه العبارة من أجل إثبات تأويلاتهم، فزعموا أن الظاهر هو التشبيه، وزعموا أن قوله عز وجل:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة:٦٤] ظاهره مجرد اللفظ، فعلى هذا لابد أن يصرف إلى معنى آخر، أو أن ظاهره المشابهة، أو الجارحة، أو ما يتوهم الإنسان مما يفهمه من المعاني في عالم الشهادة أن الظاهر هو المعاني التي يدركها الإنسان بحواسّه، فيقولون: ما دمنا فهمنا هذا الظاهر، فإذاً لابد أن يكون للصفة معنى آخر غير الظاهر وهو ما قصدوا به النفي أو التأويل.
فإذاً: ليس مقصود السلف الظاهر الذي هو التشبيه، أو الظاهر الذي يتوهمه الإنسان ويقيس به على عالم المخلوقات، إنما الظاهر هو المعنى الحقيقي، وهو بالنسبة لصفات الله إثبات الصفة على ما يليق بجلاله، وهذا يعبّر به السلف كثيراً؛ فيقولون: تجرى على ظاهرها، هذا يترك على ظاهره إلى آخر ما يعبّرون به عن الإثبات إثبات الحقيقة وعدم التكييف، وعدم الكلام في الكيفية، والله أعلم.
والسلف يكلون علم الكيفية إلى الله عز وجل لا علم الحقيقة، فالحقيقة لابد أن تثبت، وهذا هو الفارق بين فهم السلف وفهم غيرهم، سواء من المشبّهة أو المعطّلة، هو أن السلف يفهمون من معاني صفات الله الحقيقة، وأولئك ينكرون الحقيقة، هذا هو الفارق، فالسلف يثبتون الحقيقة على ما يليق بجلال الله عز وجل؛ لأن الله ليس كمثله شيء.