[عقيدة السلف أصحاب الحديث في بيان أفضل الصحابة وخلافتهم وبيان فضلهم في الجملة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وأنهم هم الخلفاء الراشدون الذين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافتهم بقوله -فيما رواه سعيد بن جمهان عن سفينة -: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة)، وبعد انقضاء أيامهم عاد الأمر إلى الملك العضوض على ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ويثبت أصحاب الحديث خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الصحابة واتفاقهم عليه، وقولهم قاطبة: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فرضيناه لدنيانا، يعني: أنه استخلفه في إقامة الصلوات المفروضات بالناس أيام مرضه، وهي الدين، فرضيناه خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم علينا في أمور دنيانا.
وقولهم: قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يؤخرك؟ وأرادوا أنه صلى الله عليه وسلم قدمك في الصلاة بنا أيام مرضه فصلينا وراءك بأمره، فمن ذا الذي يؤخرك بعد تقديمه إياك؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في شأن أبي بكر في حال حياته بما يبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة بعده، فلذلك اتفقوا عليه واجتمعوا فانتفعوا بمكانه والله! وارتفعوا به وارتفقوا، حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: والله الذي لا إله إلا هو! لولا أن أبا بكر استخلف لما عبد الله، ولما قيل له: مه يا أبا هريرة؟! قام بحجة صحة قوله، فصدقوه فيه وأقروا به.
ثم خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه إياه، واتفاق الصحابة عليه بعده، وإنجاز الله سبحانه -بمكانه في إعلاء الإسلام وإعظام شأنه- وعده.
ثم خلافة عثمان رضي الله عنه بإجماع أهل الشورى، وإجماع الأصحاب كافة، ورضاهم به حتى جعل الأمر إليه.
ثم خلافة علي رضي الله عنه ببيعة الصحابة إياه، عرفه ورآه كل منهم رضي الله عنهم أحق الخلق وأولاهم في ذلك الوقت بالخلافة، ولم يستجيزوا عصيانه وخلافه.
فكان هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدين الذين نصر الله بهم الدين، وقهر وقسر بمكانهم الملحدين، وقوى بمكانهم الإسلام، ورفع في أيامهم للحق الأعلام، ونور بضيائهم ونورهم وبهائهم الظلام، وحقق بخلافتهم وعده السابق في قوله عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمناً} [النور:٥٥] الآية، وفي قوله: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩]، فمن أحبهم وتولاهم، ودعا لهم، ورعى حقهم، وعرف فضلهم فاز في الفائزين، ومن أبغضهم وسبهم، ونسبهم إلى ما تنسبهم الروافض والخوارج -لعنهم الله- فقد هلك في الهالكين.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تسبوا أصحابي فمن سبهم فعليه لعنة الله)، وقال: (من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن سبهم فعليه لعنة الله)].
خلاصة ما سبق أن الإجماع انعقد عند المسلمين على فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة، وأنهم ثقات عدول، وأنهم حملوا الأمانة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاموا الدين، وأنهم خير البشر بعد الأنبياء في جملتهم، وأن حبهم دين، وأن اتباعهم هو الحق؛ لأنهم الجماعة الذين جعل الله اتباعهم هو السنة ومخالفتهم هي الفرقة والضلال والشذوذ، وأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على هذا المعنى لما نقلوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فهموه من الكتاب والسنة، ثم أجمع على ذلك من جاء بعدهم من التابعين وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فكان هذا إجماعاً، ثم يزداد الإجماع عمقاً وقوة في حقوق بعض الصحابة، فالعشرة المبشرون بالجنة أجمع الصحابة أنهم من أهل الجنة، ثم أجمعوا بعد ذلك على فضلهم؛ لأن من لوازم قول النبي صلى الله عليه وسلم وتزكيته لهم بأنهم من أهل الجنة أنهم أفضل.
ثم أجمعوا بعد ذلك أيضاً على حقوق الخلفاء الراشدين الأربعة، فكان إجماعاً من جميع الوجوه، ونحن نعرف أن الإجماع بمعناه الحقيقي الشرعي لا ينبني إلا على نصوص سواء كان بنص أو بمجموعة نصوص، اجتمع أهل الحق الذين جعلهم الله عز وجل يمثلون سبيل المؤمنين على ذلك، فكان ذلك إجماعاً.
وعلى هذا فإن من صور الإجماع المتفق عليها هذه الصور: عدالة الصحابة، والشهادة لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وبيان حقوق الخلفاء الراشدين الأربعة وأنهم أفضل ا