[النصوص والآثار الموضحة بأن مناهج الأخلاق وغيرها من الأعمال من العقيدة]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن بعض السلف: قدم الإسلام لا يثبت إلا على قنطرة التسليم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن هذا الدين بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال: الذين يحيون سنتي من بعدي، ويعلمونها عباد الله).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله.
وعن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس! من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}[ص:٨٦].
وعن محمد بن كعب القرظي قال:(دخلت على عمر بن عبد العزيز، فجعلت أنظر إليه نظراً شديداً، فقال: إنك لتنظر إلي نظراً ما كنت تنظره إلي وأنا بالمدينة، فقلت: لتعجبي، فقال: وممَ تعجب؟ قال: قلت: لما حال من لونك، ونحل من جسمك، ونفى من شعرك، قال: كيف ولو رأيتني بعد ثلاثة في قبري، وقد سالت حدقتاي على وجنتي، وسال منخراي في فمي صديداً؟ كنت لي أشد نكرة، حدثني حديثاً كنت حدثتنيه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قلت: حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل شيء شرفاً، وأشرف المجالس ما استقبل به القبلة، لا تصلوا خلف نائم ولا محدث، واقتلوا الحية والعقرب وإن كنتم في صلاتكم، ولا تستروا الجدر بالثياب، ومن نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار، ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الذي يجلد عبده، ويمنع رفده، وينزل وحده، أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ الذي يبغض الناس، ويبغضونه، أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ الذي لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة ولا يغفر ذنباً، أولا أنبئكم بشر من ذلك؟ الذي لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره، من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يد غيره، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله، إن عيسى عليه السلام قام في قومه فقال: يا بني إسرائيل! لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تظلموا، ولا تكافئوا ظالماً، فيبطل فضلكم عند ربكم، الأمور ثلاثة: أمر بين رشده فاتبعوه، وأمر بين غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فكلوه لله عز وجل)].
في هذه الآثار وما تخللها أيضاً من عظات ونصائح يتبين لنا جانب من جوانب مناهج السلف كثيراً ما يوردونه في كتب الآثار وكتب السنن وكتب العقائد، حتى إن بعض الناس قد يقول: لماذا يوردون هذه الجزئيات والأحكام في باب العقائد؟ وهي في جميع كتب السنة المطولة إلا النادر، مثل كتب اللالكائي وكتب الصابوني وكتب ابن بطة وابن خزيمة وغيرهم من أئمة السلف، نجد أن هؤلاء في الكتب المطولة يسمونها كتب العقائد والآثار والسنن يوردون مثل هذه المعاني، وهي متفرقة كما ترون من خلال سياقها هنا، لكن يجمعها جانب منهجي إذا عرفناه أرجعنا كل جزئية إلى أصولها، هذا الجانب المنهجي هو أن السلف يرون أن مسألة السلوك والآداب وأساليب التعامل مع الناس ومع الآخرين، أو أساليب التعامل مع الأشياء أنها من مناهج الدين، بصرف النظر عن جزئياتها التي يختلف عليها، فقواعد الآداب من مناهج الدين، وقواعد السلوك من مناهج الدين، وقواعد التعامل مع الآخرين؛ والتعامل مع الأشياء، والتعامل مع الأمور ومع الأحداث كلها من مناهج الدين، وكذلك جانب الموعظة والرقائق والزهديات من مناهج الدين، وجانب أسس الأخلاق -وهو أهم هذه الأمور- أيضاً من مناهج الدين، فلذلك كانوا يوردون هذه الأمور على سبيل الاستشهاد بما ترجع إليه أصولها، ولذلك ورد في آخر أثر عمر بن عبد العزيز وما أورده له أيضاً زائره -وهو محمد بن كعب القرظي - بعض القضايا المنهجية التي فيها إشارة إلى ما ذكرته.
فمن ذلك: الاستفادة من الحكم التي وردت وأثرت عن بني إسرائيل، سواء نسبت إلى التوراة والإنجيل أو إلى غيرهما، وهذه خاضعة للقاعدة التي نبه عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، وأنهم لا يصدّقون ولا يكذّبون؛ لأنه قد يرد عنهم بعض الأشياء التي تعتبر من المناهج العامة في الدين، أو المناهج العامة في الأخلاق والسلوكيات، لكنها لا تؤخذ تشريعاً، إنما تؤخذ كمناهج؛ لأن مناهج الأنبياء متفقة؛ لأن المناهج داخلة في باب العقائد، فمثلاً: لا يعقل أن يك