للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقيدة السلف أصحاب الحديث في الحوض والكوثر والرؤية]

ويؤمنون بالحوض والكوثر، وإدخال فريق من الموحدين الجنة بغير حساب، ومحاسبة فريق منهم حساباً يسيراً، وإدخالهم الجنة بغير سوء يمسهم وعذاب يلحقهم، وإدخال فريق من مذنبيهم النار، ثم إعتاقهم أو إخراجهم منها، وإلحاقهم بإخوانهم الذين سبقوهم إلى الجنة، ولا يخلدون في النار.

فأما الكفار فإنهم يخلدون فيها، ولا يخرجون منها أبداً، ولا يترك الله فيها من عصاة أهل الإيمان أحداً.

ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم، وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)، والتشبيه وقع للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي، والأخبار الواردة في الرؤية مخرجة في كتاب (الانتصار) بطرقها].

قوله: (والتشبيه للرؤية بالرؤية) يقصد في الوضوح والجزم والتحقق، شبّه الله عز وجل رؤية المؤمنين له سبحانه -نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم- يوم القيامة في الجنة برؤية الناس المبصرين للشمس والقمر وهما طالعتان بارزتان بوضوحهما وعدم إمكان الإنكار لمن يرى، ولذلك قال في الحديث الآخر: (لا تضامون) أي: لا أحد يستطيع أن ينكر عليكم فيضيمكم؛ لأن الإنسان لو كان يرى الشمس وعنده واحد آخر وقال له: هذه الشمس طالعة ثم قال له: تكذب، يكون بذلك ضامه وظلمه، ويكون هذا من أشد الظلم، فهذا مما يدل على حقيقة رؤية المؤمنين لربهم، لا يضامون، ولا أحد يستطيع أن ينكر رؤيتهم، ومن أنكر فهو المكابر الكافر المعاند، نسأل الله السلامة.

الشاهد أنه قال: (والتشبيه للرؤية بالرؤية)، في الوضوح والجزم واليقين وعدم مجال الإنكار فيها أو عدم اللبس، لا المرئي للمرئي، بمعنى: أننا فعلاً لا نشبه الله عز وجل بهذين المخلوقين الشمس والقمر، والله عز وجل ليس كمثله شيء.

والرؤية هنا التي جزم بها أهل الحق هي الرؤية التي تواترت بها النصوص، وهي الرؤية التي تكون للمؤمنين في الجنة، لكن هناك نوع من أنواع الرؤية اختلف فيه، وهو رؤية الناس لربهم في المحشر.

ثبت في النصوص الشرعية أن الناس يرون ربهم، لكن ما حقيقة هذه الرؤية؟ الله أعلم؛ لأنه ما ورد أنها بصرية جزماً، ومن هنا وقع الاختلاف في حقيقتها لا في وقوعها، أما وقوعها فليس محل خلاف.

كذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المعراج، هل هي رؤية عينية أو قلبية؟ والراجح أنها رؤية قلبية، لكنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم تميّز بها، وأيضاً لها معان وحقائق تليق بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله قوى قلبه على مثل ذلك.

وتقييد الرؤية بيوم القيامة جيد، وهو مقتضى النصوص؛ لأن هناك من يدّعي أنه يرى ربه في الدنيا، والآن غلاة الصوفية وغلاة العُبّاد وبعض الفلاسفة وبعض أشباه المجانين المهسترين من بعض المفكرين والعقلانيين وغيرهم يدّعون أنهم يرون ربهم، بل زعم بعضهم أنه يرى ربه مباشرة أو يتحد بربه، حتى إن بعضهم يصل به الأمر إلى الانتحار، ويصل إلى هذه الحقيقة بدعوى أنه يرى ربه في الدنيا، كما حصل من التلمساني -فيما أظن- وبعض العُبّاد الجهلة، فهناك من يدّعي أنه يرى ربه في الدنيا، وهذه الدعوى باطلة لا شك بالإجماع، ومن ادعى أنه يرى ربه في الدنيا فقد أعظم على الله الفرية، كما قالت عائشة رضي الله عنها، فـ العفيف التلمساني انتحر آخر أمره، أراد أن يتحد بربه وأن يراه؛ لأنه استحوذت عليه الشياطين، فلما عجز انتحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>