قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الخير والشر والنفع والضر بقضاء الله وقدره، لا مرد لها ولا محيص ولا محيد عنها، ولا يصيب المرء إلا ما كتبه له ربه، ولو جهد الخلق أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله له لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروه بما لم يقضه الله لم يقدروا، على ما ورد به خبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال الله عز وجل:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ}[يونس:١٠٧] الآية.
ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم مع قولهم بأن الخير والشر من الله وبقضائه، أنه لا يضاف إلى الله تعالى ما يتوهم منه نقص على الانفراد، فلا يقال: يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان، وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه، وفي ذلك ورد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح:(تباركت وتعاليت، والشر ليس إليك)، ومعناه والله أعلم: والشر ليس مما يضاف إليك إفراداً وقصداً، حتى يقال لك في المناداة: يا خالق الشر! ويا مقدر الشر، وإن كان هو الخالق والمقدر لها جميعاً، لذلك أضاف الخضر عليه السلام إرادة العيب إلى نفسه، فقال فيما أخبر الله عنه في قوله:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا}[الكهف:٧٩]، ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال:{فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}[الكهف:٨٢]، ولذلك قال مخبراً عن إبراهيم عليه السلام أنه قال:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[الشعراء:٨٠]، فأضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى ربه وإن كان الجميع منه جل جلاله].
لعل مما يوضح هذا أن نقول: إن الله عز وجل خالق كل شيء، وهو مقدر كل شيء، وكل شيء بقدره، الخير والشر وكل شيء من خلقه، لكن لا تنسب إليه مفردات خلق الشر؛ لأن أصل خلق الخير والشر حكمة من الله عز وجل، فما دام خلق الشر لحكمة فلا يضاف الشر إليه مباشرة، إنما إلى حكمته، فمن هنا يتبين معنى كلام الشيخ هنا، فالله عز وجل خلق الشر لحكمة، والله عز وجل يقول:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأنبياء:٣٥]، الفتنة التي يبتلي بها العباد يتبين من ينجح ومن لا ينجح في مثل هذا الابتلاء، فما دام خلق الشر ابتلاءً فالابتلاء جاء لحكمة من الله عز وجل للعباد، فعلى هذا يكون أصل جميع الخلق الخير والشر لحكمة، فمن هنا يلتغي إضافة مفردات الشر إلى الله عز وجل؛ لأن خلق الشر راجع إلى حكمته سبحانه.