[موقف السلف أصحاب الحديث ممن سأل عن كيفية صفات الله عز وجل من النزول وغيره]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن زكريا الشيباني سمعت: أبا حامد بن الشرقي يقول: سمعت أحمد السلمي وأبا داود الخفاف يقولان: سمعنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: قال لي الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا).
كيف ينزل؟ قال: قلت: أعز الله الأمير، لا يقال لأمر الرب: كيف؟ إنما ينزل بلا كيف.
حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل حدثنا محبوب بن عبد الرحمن القاضي حدثني جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن محبوب حدثنا أحمد بن حمويه حدثنا أبو عبد الرحمن العباسي حدثنا محمد بن سلام قال: سألت عبد الله بن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبد الله: يا ضعيف! ليلة النصف؟! في كل ليلة ينزل، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبد الله: ينزل كيف شاء.
وفي رواية أخرى لهذه الحكاية: أن عبد الله بن المبارك قال للرجل: إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخضع له].
في هذا وأمثاله أذكر بعض الوقفات والعبر أوجزها بما يأتي: أولاً: السلف رحمهم الله قبل ظهور الجهمية والمعتزلة لم يكن أحد منهم يسأل عن مثل هذه الأسئلة إطلاقاً لا من عامة الناس ولا من طلاب العلم، ولا حتى من أهل الأهواء الذين قد يكون في قلوبهم مرض لكنهم لا يجرءون، ما كان أحد يجرؤ أن يسأل عن شيء في صفات الله عز وجل إطلاقاً في القرن الأول كله، وقد يقال: إن هناك بعض نوازع الأسئلة كانت في القرن الأول لكنها ليست مذاهب، وإنما كانت أسئلة ساذجة، وكانت فيها نوع من الحذر والتحفظ، كما أنها أيضاً لم تكن ذات تأثير على الناس، بمعنى: أنه أثر عن بعض الخوارج أنهم كانوا يسألون أسئلة غير لائقة بالله عز وجل، لكن الناس كانوا يعرفون أن ذلك راجع إلى فساد مذهبهم، ولم يكن هذا يروج عند الناس ولا يسأله طالب علم ولا حتى عامي على الفطرة، ما يسأله إلا إنسان بلي ببدعة معينة كبدع الخوارج، والخوارج أهل خصام وجدل يخاصمون حتى في الله عز وجل.
فأقول: لم يكن في القرن الأول إلا مثل هذه الومضات البسيطة، ولم تكن هناك مذاهب ولا مناهج، أما في القرن الثاني فصارت أسئلة عن هذه الأمور، وإن كان العلماء قاوموها بشدة، فأئمة السلف: الإمام مالك وعبد الله بن المبارك وغيرهم كانوا يقامونها، حتى الإمام أبو حنيفة من الأوائل الذين ظهرت على وقتهم هذه الأسئلة كانوا يجابهون أهلها بقوة وعنف، لكن ومع ذلك ظهرت على أساس أنها مناهج لأهل الأهواء، فكانوا يسألون عن أمور الغيب عموماً، وعن بعض صفات الله عز وجل على وجه الخصوص، وهذه السمة سمة خطيرة في الناس إذا وجدت فهي تدل على ضعف الإيمان، وعلى تمكن البدعة وعلى فساد المناهج في الدين.
ولذلك ينبغي أن يعوّد الناس وطلاب العلم خاصة على تعظيم الله عز وجل وتوقيره بعدم إثارة الأسئلة، إلا في الحالات النادرة التي لا يجد الإنسان فيها محيصاً من السؤال، كأن يتردد الأمر ويحيك في نفسه ويخشى على نفسه أن يكون ذلك نوعاً من التفكير أو الوسواس الذي يسيطر عليه، فإذا وصل الأمر إلى هذا الحد فليسأل أهل العلم بسؤال لا يعلن ويكون بأدب وفيه تعظيم لله عز وجل وإجلال.
كذلك مما ينبغي أن يستفاد من مثل هذا الأثر أنه ما كان ينبغي لطلاب العلم أن يجهلوا مثل هذه الأمور، وهذا عكس ما يفهمه بعض الناس، فبعض الناس قد يقول: إن الخوض في مثل هذه المسائل والإكثار منها لا ينبغي، وأقول: لا ينبغي عند عامة الناس، لكن طلاب العلم المتخصصين في دروس العقيدة ليس عليهم حرج أن يفصلوا ويخوضوا في هذه الأمور؛ لأنها أمور قالها الناس، والأمور التي قالها الناس لابد من الكلام فيها بوجه الحق لحماية من لم يبتل بها أولاً، وللرد على من ابتلي بها ثانياً، حتى وإن كان التعرض لمثل هذه الأمور قد يكون قليلاً، مع أنه ليس بقليل.
وطلاب العلم يتعرضون الآن لزخم عنيف من الأفكار التي تتعلق بتأويل صفات الله عز وجل، وفي الآونة الأخيرة ظهرت كتب وانتشرت مقالات، وبدأ أصحاب التأويل يجرءون على الحديث فيها بيننا، فلابد أن نحصن طلاب العلم بخاصة في هذه الأمور، وأيضاً بالأخص الذين يدرسون دروس العقيدة فليس عليهم حرج أن يدرسوا مثل هذه الأمور، وإن كان فيها أحياناً افتراضات قد لا تليق، أو أمور يكون فيها شيء من الحرج مثل السؤال عن النزول.
النقطة الأخيرة: أنه ينبغي أن نعوّد أنفسنا ونعوّد غيرنا ممن لنا عليهم ولاية معنى تعظيم الله عز