للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقيدة السلف أصحاب الحديث في البعث بعد الموت]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ويؤمن أهل الدين والسنة بالبعث بعد الموت يوم القيامة، وبكل ما أخبر الله سبحانه من أهوال ذلك اليوم الحق، واختلاف أحوال العباد فيه، والخلق فيما يرونه ويلقونه هنالك في ذلك اليوم الهائل من أخذ الكتب بالأيمان والشمائل، والإجابة عن المسائل، إلى سائر الزلازل والبلابل الموعودة في ذلك اليوم العظيم، والمقام الهائل من الصراط والميزان، ونشر الصحف التي فيها مثاقيل الذر من الخير والشر وغيرها].

يحسن الإشارة في هذا المقطع الذي ذكر فيه بعض أحوال القيامة إلى أنه يقصد بذلك الإيمان بهذه الأمور على حقيقتها، وأنها حق كما وصفها الله عز وجل؛ لأن هناك طوائف من أهل الافتراق في هذه الأمة يقرون بهذه الأمور، لكنهم يتأولونها على غير حقيقتها، فيئول الأمر إلى التعطيل والإلحاد، فيؤولون الصراط بالعدل، وقد يؤولون الميزان كذلك أيضاً بالعدل، وقد يؤولون أيضاً الحوض على غير معنى حسي، ويؤولون الكوثر على غير معنى حسي وهكذا يؤولون كثيراً من مشاهد القيامة بأمور وأحوال معنوية، وهذه نزعة فلسفية نبعت عن مذاهب الفلاسفة التي تنكر ما جاء به الأنبياء أصلاً، لكن بعض الفلاسفة الإسلاميين الذين أخذوا من مناهج بعض الفرق أرادوا التلفيق بين أصول الفلاسفة وبين ما جاء به الأنبياء، فزعموا أنهم يؤمنون بأحوال القيامة التي ذكرها الشارح وغيرها، وأنها حق، لكنهم زعموا أنها أمور معنوية تحدث للأرواح لا للأجساد، وأنها ليس فيها حسيات، أو أنها أمور تحكي أحوالاً معنوية قلبية، أو أحوالاً تحدث للروح، أو أنها وعيد جاء للردع، ووعد جاء للترغيب دون أن تكون لها حقائق.

فالشاهد: أن هذه الأمور كثير من الناس قد يقر بها، لكنهم يتأولونها على غير حقيقتها، فيتميز منهج أهل السنة والجماعة بالإيمان بأحوال القيامة على حقيقتها، وأنها حق كما وصفها الله عز وجل، لكنها غائبة عنا من حيث الكيفيات، وإن كانت قد تتشابه في معانيها وألفاظها وحقائقها المجملة مع ما نحسه في الدنيا، لكنها مع ذلك تختلف اختلافاً كبيراً واختلافاً كثيراً بنص القرآن والسنة.

وما يحدث للناس يحدث لأرواحهم وأجسامهم، سواء من النعيم أو العذاب أو مما يدركونه ويحسونه ويتجاوزونه من المشاهد والأحوال، كل ذلك أمور حق على حقيقتها ليست أمثالاً تضرب ولا خيالات، وليست ترمز إلى مجرد معان وغير ذلك مما أولها به المتأولون.

<<  <  ج: ص:  >  >>