للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى قول ابن المبارك: (ولو علمت أني قبلت مني حسنة لشهدت أني في الجنة)]

السؤال

ما مقصود ابن المبارك بقوله: ولو علمت أني قُبلت مني حسنة لشهدت أني في الجنة؟

الجواب

قصده: لو أني ضمنت أن الحسنة مقبولة فمن الطبيعي أن جميع الحسنات تكون مقبولة، ومن ضمن قبول الحسنات ضمن الجنة، فلا يجزم أحد بأن عمله قُبل، فهو ضرب مثلاً بالحسنة، وهو يقصد جنس الحسنة، وليس مفرد الحسنة، وكأنه يقول: لو علمت أن حسناتي مقبولة لضمنت الجنة؛ لكن من يعلم أنها مقبولة؟ لأن الحسنة قد تُقبل وقد لا تُقبل، وعدم قبولها إما لعارض أو لذنب آخر أو إلى آخره.

فيبدو لي أنه يقصد جنس الحسنات هنا، وضرب مثلاً بحسنة؛ لأنه إذا وجد مبدأ قبول حسنة وجد أصلاً مبدأ قبول الحسنات جميعاً، هذا القصد، وهذا يرجع إلى الأصل والمبدأ ولا يرجع إلى المثال، فالأصل القبول؛ لأنه إذا ضمن أنه قبلت منه حسنة فكأنه جاء بمبدأ أن الحسنات مقبولة مطلقاً، هذا معناها، وإذا قُبلت الحسنة الواحدة مطلقاً فمن الطبيعي أن جميع الحسنات عند صاحب هذا المبدأ تكون مقبولة مطلقاً، كما يقول الجهم، فعلى هذا كأنه يقول: أنا ضامن الجنة؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، فالحسنات حاكمة على السيئات، والخير مهيمن على الشر، والرحمة أسبق من العذاب، هكذا أصل المبدأ، لكن المسألة راجعة إلى أمور غيبية، فالإنسان يعمل الحسنات يرجو من الله عز وجل القبول، والقبول ليس بمضمون.

فإذاً: قصد الأئمة بهذا الكلام هو أصل المبدأ مبدأ قبول الحسنة، وإذا قُبلت الحسنة قُبلت غيرها، وإذا قُبلت غيرها محيت السيئات وهكذا، لكن ليست مضمونة.

فـ ابن المبارك يقصد الرد على الذين يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، والحسنة جزء من الإيمان، فهؤلاء يلغون اعتبار المعاصي؛ لأنهم يرون أن الإيمان هو التصديق في القلب، وأن القلب إذا صدّق لا يضره مع ذلك ذنب، فدائماً السلف يمثّلون الشيء بجزئه؛ نظراً لأن الناس كانت أذهانهم ومداركهم في ذلك الوقت واضحة وصافية، فكانوا يعبّرون عن الشيء بمثاله، ويعبّرون عن الشيء بجزئه، ويرمزون إلى الشيء بمجرد الرمز والباقي يكون معروفاً، فهذا الأمر مترتب على لوازمه، فإن السلف الذين قالوا -سواء من الصحابة أو غيرهم-: لو ضمنا الحسنة لضمنا الجنة، أو عبروا بأي عبارة قصدهم بهذا أصل المبدأ، وكأنهم يقولون للمرجئ: ما دمت تقول: إنه لا يضر مع الطاعة معصية ولا مع الإيمان معصية فهذا يعني: أن الحسنة الواحدة إذا قبلت ضمنا الجنة؛ لأن المعاصي لا اعتبار لها، والحسنة لا تحدث إلا بإيمان، فإذا وجد أصل الإيمان -ما دام أنه لا اعتبار للمعاصي- فكأن الإنسان بالحسنة الواحدة ضمن الجنة، وهذا التزمه بعض المرجئة كمرجئة الجهمية، وبعض المرجئة لم يلتزموها، لكن هو من لوازم القول، فهذا على سبيل التمثيل للإشارة إلى الأصول التي عليها المرجئة لا للمبدأ الذي عليه أهل السنة والجماعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>