ما مدى صحة ما اتهم به خالد بن عبد الله القسري من الزندقة؟
الجواب
أولاً: قبل إجابتي على هذا السؤال أحب أن أشير إلى مسألة تتعلق بالتاريخ الذي كتب: الأمر الأول: التاريخ الذي سطر لا أصل له، ليس فيه أسانيد.
والأمر الثاني: أن الذين كتبوا التاريخ أغلبهم من أهل الأهواء.
والأمر الثالث: الذين كتبوا التاريخ من أهل السنة كـ ابن جرير الطبري وابن كثير نقلوا عن الإخباريين من أهل الأهواء وتركوا العهدة على الرواة.
إذاً: فروايات التاريخ تالفة إلا ما جاء بإسناد صحيح، وهذا قليل، وما جاء بإسناد صحيح من روايات التاريخ فيدخل في باب الآثار، وما عدا ذلك فالتاريخ لا أصل له، ومن ترهات المؤرخين ومن مجازفات الإخباريين وكذبهم أنهم قالوا في بعض الناس قولاً لا يصح، وقد بالغوا فيما حكوه عن خالد بن عبد الله القسري مبالغة شديدة؛ لأنه ضدهم، فأغلب الإخباريين الذين كتبوا التاريخ هم من النوع الذين قتل خالد بن عبد الله أسلافهم وقتل أجناسهم، وما داموا لا يتقون الله ولا يخافونه وهم أصحاب أهواء وشيوخهم هم الذين قتلهم خالد بن عبد الله القسري من الطبيعي أن يكتبوا خلافه أو ضده.
ثانياً: خالد بن عبد الله القسري نسب إليه بعض الظلم وهذا -والله أعلم- أنه كان فيه شيء من القسوة والظلم، لكن لا يعني وجود القسوة والظلم فيه أنه ليس بصاحب عقيدة أو صاحب قوة في الحق، بل كثير من الأقوياء في الحق يكون عندهم شيء من الظلم، وكثير من الظلمة يكون عندهم شيء من القوة في الحق.
ولذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى مثل هذا بقوله:(إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر)، لاسيما صاحب السلطان والسيف، وصاحب السلطان والسيف أحياناً قد يعمل ما لا يدركه الناس أو يجرؤ على ما لا يجرؤ عليه غيره، وقد تأخذه الحمية ويأخذه مقامه إلى تجاوز الحد في الأمر الشرعي، وقد قتل زنادقة كثيرين حتى سمي قصاب الزنادقة، والسلف مدحوه في ذلك، والسلف لا يتفقون على أمر فيه نظر، فهم مدحوه بأنه قصاب الزنادقة.
فأقول: إن الذين قتلهم خالد بن عبد الله القسري كان قتلهم كلهم صادراً عن رأي العلماء وعن أمرهم بما فيهم الجعد بن درهم صاحب هذه القصة، وقد قتله خالد بن عبد الله القسري استجابة لأمر العلماء الذين رأوا ضرورة قتله؛ لأنه مفسد في الأرض.