قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكذلك يثبتون ما أنزله الله عز اسمه في كتابه من ذكر المجيء والإتيان المذكورين في قوله عز وجل: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ}[البقرة:٢١٠] وقوله عز اسمه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:٢٢]].
هذا استمرار لتقرير الصفات الفعلية، فبعدما ذكر النزول ذكر المجيء والإتيان، والمجيء والإتيان هما بمعنى واحد، وردت نصوصهما ومعانيها مترادفة، وكذلك يقال في المجيء ما يقال في الإتيان؛ فإن الله عز وجل يجيء يوم القيامة كما يليق بجلاله، ومجيئه ليس محكوماً بنوع مجيء المخلوقين أو تحرك المخلوقات، فالله عز وجل أعظم وأجل من أن يكون مجيئه كمجيء المخلوقات، بل هو حقيقة لله عز وجل على ما يليق بجلاله وتثبت لوازمه، فمن لوازم مجيء الله مجيء رحمته، ومن لوازم مجيء الله يوم القيامة أنه يفصل بين عباده، ومن لوازم المجيء أنه يجيء ومعه الملائكة كما ورد في نصوص أخرى، وكل ذلك يثبت على حقيقته على ما يليق بجلال الله من غير تحكم بالكيفية ومن غير تعطيل ولا تأويل، فلا يقال في المجيء: مجيء رحمته أو مجيء أمره أو نحو ذلك مما عدل به المتأولون أو المؤولة عن الحق، إلى أمور أحياناً تعتبر من باب اللوازم وأحياناً من تخيلاتهم وتخرصاتهم على كلام الله وعلى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فقالوا على الله بغير علم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقرأت في رسالة الشيخ: أبي بكر الإسماعيلي إلى أهل جيلان: أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال عز وجل:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}[البقرة:٢١٠]، وقال:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:٢٢]، ونؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف، فلو شاء الله سبحانه أن يبين لنا كيفية ذلك فعل فانتهينا إلى ما أحكمه، وكففنا عن الذي يتشابه، إن كنا قد أمرنا به في قوله عز وجل:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[آل عمران:٧]].
هنا أيضاً قرر قواعد جديدة من قواعد السلف ومناهج المخالفين، فأولاً: هنا في مسألة الإشارة إلى النزول قال: (ونؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف) يعني: كما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه إشارة إلى أن السلف يلتزمون ألفاظ الشرع في أسماء الله وصفاته وأفعاله وجميع الأمور الغيبية، ويلتزمون ألفاظ الشرع كما ساقه الله عز وجل وذكره وكما نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم وذكره، وهذه قاعدة عظيمة سلمت بها مناهج السلف وعقائدهم، وسلموا لله عز وجل وأذعنوا ولم يقعوا فيما وقع فيه غيرهم من التخرص على الله، فآمنوا بما جاء عن الله كما جاء بنصه.
ولذلك تجدون السلف في تقرير العقائد يلتزمون نصوص الشرع، لكن أحياناً في الشرح والبيان قد يأتون بالمرادفات، وقد يأتون ببعض الألفاظ التي تبين، وما استجد عند الناس من مصطلحات هذا من باب التوسع في الإخبار عند الشرح والبيان، أما في التقرير فإنهم يلتزمون ألفاظ الشرع، وعكس ذلك أهل الأهواء، فأهل الأهواء لا يلتزمون ألفاظ الشرع، بل العجيب أن أهل الأهواء من مناهجهم أنهم ينكرون ما ثبت في الكتاب والسنة من ألفاظ الشرع في أسماء الله وصفاته وتقرير العقيدة، ينكرونه ويتحفظون عليه ويترددون في إثباته بالتعطيل والتأويل، في حين أنهم يجسرون ويجرءون على إثبات ما لم يثبته الله لنفسه، بل أغلب ما أثبتوه لله مما لم يثبت في الكتاب والسنة، وقالوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا مباين ولا في جهة، وزعموا أنهم ينزهون الله وهم تكلموا على الله بغير علم وقالوا بأشياء لم تثبت في الكتاب والسنة، وإنما هي من أوهامهم وخيالاتهم، وجحدوا ما ثبت في الكتاب والسنة، وهذه عقوبة من الله عز وجل، فوكلهم الله إلى عقولهم فردتهم عقولهم إلى ما لم يثبت، وسبق لنا الإشارة إلى مذهب الماتريدية كأنموذج؛ فالماتريدية أثبتوا لله عز وجل سبع صفات وأولوا الباقي، ثم مع هذا أثبتوا صفة ثامنة لم ترد لا في الكتاب ولا في السنة وليس لها وجه من العقل، يعني: ما ثبت عن الله أنكروه وأولوه ولم يكتفوا بذلك، بل جاءوا بصفات لم تثبت في الكتاب والسنة.
فإذاً: أهل الأهواء خالفوا هذه القاعدة تماماً، فمن منهج السلف تقرير العقيدة بألفاظ الشرع خاصة في أسماء الله وصفاته وأفعاله، والسل