للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقيدة الإمام أبي عثمان الصابوني ونصيحته لإخوانه أهل السنة]

قال المصنف رحمه الله: [وأنا بفضل الله عز وجل متبع لآثارهم مستضيء بأنوارهم، ناصح لإخواني وأصحابي ألا يزلقوا عن منارهم، ولا يتبعوا غير أقوالهم، ولا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع التي اشتهرت فيما بين المسلمين وظهرت وانتشرت، ولو جرت واحدة منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه وبدعوه، ولكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه].

الشيخ الصابوني هنا يقصد ما حدث في وقته مما لم يحدث في وقت السابقين.

والشيخ عاش بين القرن الرابع والخامس، وشاهد في وقته كثيراً من البدع: بدع المتصوفة، وبدع الفلاسفة، وبدع الباطنية، وبدع غلاة المتكلمين الذين أنكروا أسماء الله وصفاته، وتكلموا في ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله بما لم يتكلم به حتى الجهمية الأوائل، وتجرءوا بأن يظهروا مصطلحاتهم وأعمالهم البدعية الظاهرة بألسنتهم وبأعمالهم وأقوالهم وأفعالهم وعلاقاتهم، مثل: وحدة الوجود، والاتحاد والحلول، ومثل دعوى الكشف والذوق، ومثل: التعطيل المعلن، ومثل: القول بأن للشريعة ظاهراً وباطناً وغير ذلك مما حدث في وقت الصابوني ولم يكن في عهد الذين سبقوه في القرن الثاني والثالث.

فيقول: إن هذه المحدثات التي في وقته ظهرت وانتشرت، وإنها لو جرت في عهد السلف لوقفوا منها موقفاً أحزم مما وقفه المعاصرون له.

نعم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يغرن إخواني حفظهم الله كثرة أهل البدع ووفور عددهم، فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن من علامات الساعة واقترابها أن يقل العلم ويكثر الجهل) والعلم هو السنة والجهل هو البدعة.

ومن تمسك اليوم بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمل بها واستقام عليها، ودعا إليها كان أجره أوفر وأكثر من أجر من جرى على هذه الجملة في أوائل الإسلام والملة، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (له أجر خمسين، فقيل: خمسين منهم؟ قال: بل منكم)؛ وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك لمن يعمل بسنته عند فساد أمته.

وجدت في كتاب الشيخ الإمام جدي أبي عبد الله محمد بن عدي بن حمدويه الصابوني رحمه الله: أنبأنا أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي أن العباس بن صبيح حدثهم: حدثنا عبد الجبار بن مظاهر حدثني معمر بن راشد سمعت ابن شهاب الزهري يقول: تعليم سنة أفضل من عبادة مائتي سنة.

وقال عمرو بن محمد كان أبو معاوية الضرير يحدث هارون الرشيد فحدثه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه: (احتج آدم وموسى)، فقال عيسى بن جعفر: كيف هذا وبين آدم وموسى ما بينهما؟ قال: فوثب به هارون وقال: يحدثك عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتعارضه بكيف؟ قال: فما زال يقول حتى سكن عنه.

هكذا ينبغي للمرء أن يعظم أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق، وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرشيد رحمه الله مع من اعترض على الخبر الصحيح الذي سمعه بكيف؛ على طريق الإنكار والاستبعاد له، ولم يتلقه بالقبول كما يجب أن يتلقى جميع ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم].

هذه الحقيقة خاتمة جيدة ومناسبة وكثيراً ما نجد أن المؤلفين من السلف قديماً وحديثاً يتحرون في خواتيم أقوالهم ومحاضراتهم وكتبهم ما يناسب المقام، فالشيخ الصابوني رحمه الله هنا ختم عقيدته هذه التي سرد فيها مناهج السلف وأصولهم وقواعدهم ومناهجهم وذكر أئمتهم ختمها بخاتمة مناسبة؛ كأنه يقول فيها: هذه عقيدة السلف التي ندين الله بها المأخوذة من أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي ينبغي أن يكون المسلم مسلماً بها؛ لأن العقيدة تنبني على التسليم، بل الدين كله ينبني على القبول والتسليم والتصديق، وأنه لا يجوز لمسلم أن يتردد ولا أن يشك ولا أن يكون عنده ريب أو عنده شيء من التحرج في إثبات هذه العقيدة، بل يسلم كمال التسليم.

فكما بدأ كلامه بضرورة التسليم أيضاً ختم كلامه بضرورة التسليم، وأن مبنى العقيدة على التسليم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [جعلنا الله سبحانه من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويتمسكون في دنياهم مدة محياهم بالكتاب والسنة، وجنبنا الأهواء المضلة والآراء المضمحلة، والأسواء المذلة، فضلاً منه ومنة.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم].

وبهذا ينتهي هذا الكتاب القيم، ونحمد الله على التمام، ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد والرشاد، وأن يجعلنا من الهداة المهتدين المستمسكين بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبسبيل المؤمنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>