ويمكن التنبيه إلى عدة أمور تدل على وصف أسماء الله عز وجل بأنها حسنى: أولاً: أن الأسماء الجامدة التي لا تدل على معان ليست من أسماء الله سبحانه وتعالى؛ لأنها ليست حسنة ولا يتحقق فيها وصف الحسنى، مثل: الموجود، فلا يمكن أن يسمى الله: الموجود حتى ولو كان المعنى صحيح، فلا يسمى به، ولا يمكن أن يكون هذا له اسم؛ والسبب في ذلك: أنه ليس فيه معنى الحسن، وإنما غاية ما فيه أنه شيء موجود.
ولا يسمى الشيء بأي اسم من هذه الأسماء؛ لأنها تتضمن معنى كريماً حسناً، ويدل على هذا أن الأسماء الجامدة ليست من أسماء الله سبحانه وتعالى، فالوصف في الآيات الأربع السابقة وصف لأسماء الله بالحسنى وهذا يدل على أهمية أن تكون أسماء الله عز وجل موصوفة بهذه الصفة وهي الحسن.
كذلك لا يسمى الله سبحانه وتعالى بالاسم الذي يحتمل المدح والذم، مثل: المتكلم، فلا يقال: إن الله عز وجل هو المتكلم، فالمتكلم ليس اسماً من أسماء الله؛ لأن الكلام قد يكون حسناً وقد يكون سيئاً، وقد يكون ممدوحاً وقد يكون مذموماً، فلا يسمى الله سبحانه وتعالى بالاسم الذي يحتمل المدح ويحتمل الذم.
وقد نقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح الأصفهانية الأشاعرة الذين سموا الله سبحانه وتعالى بهذه الأسماء التي لم يسم بها نفسه، وكان من أوجه النقد التي نقدهم من خلالها شيخ الإسلام رحمه الله: أن هذا الاسم يحتمل المعنى الممدوح على المعنى المذموم، وهذا ينافي الحسن الذي وصف الله سبحانه وتعالى به أسماءه، وكذلك ما ورد مقيداً أو مضافاً فإن هذا لا يؤخذ منه اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، ويمكن أن نمثل لهذا قوله تعالى:{إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}[السجدة:٢٢]، فلا يؤخذ من هذه الآية اسم لله وهو المنتقم؛ لأن الوصف هنا وهو قوله:{مُنتَقِمُونَ}[السجدة:٢٢] مرتبط ومقيد بالمجرمين، لكن إذا قلت: المنتقم بشكل عام احتمل هذا أن يكون منتقماً أيضاً حتى من المؤمنين فلا يصح، وحينئذ سينافي الحسن الوارد في الآيات الأربع.
ومثل قول الله عز وجل:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}[الأنعام:٧٣]، فلا يؤخذ من هذه الآية اسم الله عز وجل العليم مثلاً أو العالم، لا يؤخذ من هذه الآية تحديداً لكنه يؤخذ من آيات أخرى تدل بشكل أصرح على اسم الله عز وجل، فالأسماء التي تأتي مقيدة ومضافة لا يصح أن يؤخذ منها اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، مثل: مجري السحاب، وهازم الأحزاب ونحو ذلك.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومثال ذلك: الرحمن اسم من أسماء الله تعالى متضمن للرحمة الكاملة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها) يعني: أم صبي وجدته في السبي فأخذته وألصقته ببطنها وأرضعته، ومتضمن أيضاً للرحمة الواسعة التي قال الله عنها:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}[الأعراف:١٥٦]، وقال عن دعاء الملائكة للمؤمن:{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا}[غافر:٧]].
وهذا مثال يدل على أن اسم الله عز وجل الرحمن اسماً حسناً، وبين الشيخ أوجه تضمنه فقال:(لأنه يدل على الرحمة الكاملة)، ثم وصفها بالأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، وأنها واسعة، وأن الله عز وجل أرحم بعباده من الأم بولدها، وهذا لا شك أنه من الغاية في الحسن والجلال والكمال.