[قاعدة: أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها]
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمداً إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً إنك أنت العليم الحكيم.
أما بعد: سنتحدث عن القاعدة الخامسة وهي المتعلقة بأسماء الله سبحانه وتعالى، وهل هي توقيفية أم أنه يمكن الاستدلال عليها بالعقل؟ أقول: القاعدة الخامسة هي: أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية، أي: لا مصدر لها إلا النصوص الواردة في الكتاب والسنة.
فعقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى هي أنها توقيفية، ولا يمكن أبداً أن يؤخذ اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى أو صفة من صفاته إلا عن طريق الكتاب والسنة، فلا دخل للعقل في إثبات اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى.
والدليل على هذه العقيدة مأخوذ من الشرع وهو الكتاب والسنة والعقل.
أما الشرع فقد دل على أن أسماء الله سبحانه وتعالى خبرية، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتكلم في أسماء الله سبحانه وتعالى بغير علم، كما قال الله عز وجل: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:٣٦].
والإنسان إذا سمى الله سبحانه وتعالى باسم لم يسم به نفسه من غير دليل شرعي ومن غير خبر عن الصادق عليه الصلاة والسلام فإنه دخل في أمر لا علم له به، وحينئذ يدخل في قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:٣٦].
وكذلك يدل على هذا قول الله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٣٣].
فإذا أثبت إنسان لله اسماً لم يدل عليه دليل شرعي من القرآن أو من السنة فقد قال على الله بغير علم.
ومن المعقول ما يدل على أنه لا يجوز أن يسمى الله سبحانه وتعالى إلا بما سمى به نفسه، وهو أن العقل له مجال محدد، وأسماء الله سبحانه وتعالى ليست داخلة في مدارك العقل، وبناءً على هذا فإذا تجاوز العقل مداركه للدخول في أمور لا قبل له بها فهذا باطل ممن أدخل نفسه فيه.
وكذلك ثبت أنه لا يجوز أن يسمى الرسول صلى الله عليه وسلم بغير اسمه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصح أن يسمى بغير اسمه فالله سبحانه وتعالى أولى.
فلو أن رجلاً سمى الرسول صلى الله عليه وسلم بالبطل مثلاً وهذا لم يرد، ولم يسم رسول الله صلى الله عليه وسلم به نفسه فلا شك أن هذا باطل وإن كان معناه صحيح؛ لأن التسمية علم كما سبق أن بينا أن الأسماء أعلام، وإن كان معناها صحيح إلا أنه لا يصح أن يطلق الإنسان شيئاً من الأسماء والصفات على أحد إلا إذا ارتضاه وأقره، وبناءً على هذا فلا يصح لإنسان أن يطلق على الله عز وجل أسماء والله عز وجل لم يرضها ولم يقرها.
ومن الأدلة على أن أسماء الله توقيفية أن الأسماء الحسنى من الغيب الذي لا سبيل إلى الوصول إليه إلا بالوحي، ومن المعلوم أن أهل الإسلام تميزوا بإيمانهم بالغيب، ولهذا لا يصح أن يسمي الإنسان الله عز وجل بغير اسمه إلا بالوحي، كما قال الله عز وجل في وصف المؤمنين: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:٣].
فإيمانهم بالغيب ثابت ومستقر، والأسماء الحسنى من الغيب، ولا يمكن كشف هذه الأسماء الحسنى إلا بالوحي، أي: أنه لا يمكن أن يكشف الغيب إلا بالوحي.
ومن الأمور المقررة هو أن هناك فرقاً بين ما يدعى به وبين ما يخبر به عن الله سبحانه وتعالى، فما يدعى الله سبحانه وتعالى به هو الأسماء الحسنى، ولا يصح لإنسان أن يدعو الله عز وجل أو أن يناديه بغير اسمه، كما قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠] وقد أخذ المفسرون من هذه الآية أنه لا يصح لأحد أن يسمي الله سبحانه وتعالى إلا بما سمى به نفسه.
وأما ما يخبر به عن الله سبحانه وتعالى فقد سبق أن بينا أن مجال الخبر أوسع من مجال التسمية والوصف، وأن التسمية والوصف لا يجوز أن يكون إلا بما أخبر به الله سبحانه وتعالى وبما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما مجال الإخبار العام مثل أن توجد طائفة من الطوائف -تنفي مثلاً- كون الله سبحانه وتعالى مستو على عرشه ويقولون: إن الله عز وجل مخالط للناس، فيأتي إنسان ويخبر عن الله عز وجل ويقول: الله سبحانه وتعالى بائن عن خلقه.
فقوله: بائن عن خلقه.
لم يرد في القرآن والسنة هذه اللفظة بحروفها لكن معناها صحيح ثابت في النصوص، ولا إشكال عليه.
وإذا قال قائل: إن الله عز وجل قديم أو موجد الوجود، أو أن له ذاتاً، وكل هذه لم ترد بألفاظها في النصوص، فإذا أخبر الإنسان عن الله عز وجل بها ف