باب الصفات من أعظم الأبواب الشرعية والعقدية التي بينها الله سبحانه وتعالى بياناً كافياً وشافياً في القرآن، وكذلك بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة، وعقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم في هذا الباب العظيم مبنية على قاعدتين: القاعدة الأولى: إثبات الصفات لله تعالى.
والقاعدة الثانية: نفي مماثلة المخلوقات ومشابهتها.
وهاتان القاعدتان مأخوذتان من قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١]، فقوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يدل على قاعدة التنزيه، ونفي مشابهة المخلوقين ومماثلتهم، وقوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١] يدل على إثبات هذه الصفات، وبهاتين القاعدتين يتميز منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم عن غيرهم من الطوائف الضالة في هذا الباب، السلف الصالح يثبتون الصفات، وفي نفس الوقت ينفون مشابهة المخلوقات، لكن أهل التعطيل لا يثبتون الصفات، بل يخالفون السلف في إثبات الصفات وغلبوا جانب النفي، وأهل التشبيه والتمثيل غلبوا جانب الإثبات، وشبهوا الله سبحانه وتعالى بالمخلوقات، وأما أهل السنة والجماعة فهم وسط: يثبتون الصفات، وينفون مشابهة المخلوقات، وهم أهل الحق والاستقامة والعدل في هذا الباب.
نافي الصفات يعبد عدماً، والمشبه لله تعالى بالمخلوقات يعبد صنماً، كما قال بعض السلف رضوان الله عليهم، وهذه قضية ينبغي أن تتضح، وهي واضحة تماماً على المنهج السلفي، وهذه القواعد تخدم هذه القضية مفصلة بإذنه تعالى.
بعض القواعد تكون في باب الإثبات، وبعض القواعد تكون في باب النفي، يعني: السلف الصالح رضوان الله عليهم لهم قواعد مفصلة في باب الإثبات، ولهم قواعد مفصلة في باب النفي، فمثلاً في باب النفي لا يمكن أن ينفى عن الله سبحانه وتعالى بطريقة مفصلة، يعني: لا يقال: ليس بطويل ولا بقصير ولا بكذا ولا بكذا، كما هي طريقة المبتدعة الضلال، وإنما يكتفي بالنفي المجمل، وهذه هي طريقة النصوص، يقال: الله عز وجل لا يشبه شيئاً من المخلوقات.
وما ورد من النصوص الشرعية فيه نفي مفصل مثل نفي النوم عن الله سبحانه وتعالى، فإنه ليس نفياً محضاً، وإنما يتضمن كمال ضده، وهذا النفي هو النفي الإيجابي، والذي يكون له ثمرة، وهي الإثبات، فإن الله عز وجل لما قال:{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة:٢٥٥]، قوله:{لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة:٢٥٥]، لا يؤخذ منها: نفي السنة وهو النعاس، والنوم عن الله عز وجل فقط، وإنما يدل أيضاً على كمال حياته، وهذا جانب إثبات، وعلى كمال قيوميته، وأنه قائم بأمور العباد تدبيراً وعملاً سبحانه وتعالى، وستأتي قواعد مفصلة في البابين.
القاعدة الأولى: وهي قاعدة الكمال لله سبحانه وتعالى.
وهذه القاعدة فصلها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مكانين من كتابه العظيم (الفتاوى)، وفي أماكن متفرقة من كتبه، فصلها في المجلد السادس من الفتاوى في رسالة خاصة اسمها:(الرسالة الأكملية) فقد بين فيها إثبات ما يستحقه الله سبحانه وتعالى من الكمال، ونفي النقص عنه سبحانه وتعالى بكل وجه من الوجوه.
الموضع الثاني: في المجلد السادس عشر في تفسير سورة العلق، حيث ذكر الطرق التي تدل على إثبات الكمال لله تعالى وسيأتي تفصيلها بإذن الله تعالى.