[امتناع وصف الله تعالى بصفات النقص التي لا كمال فيها]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا كانت الصفة نقصاً لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله] يعني: يجب نفيها عن الله سبحانه وتعالى، مثل: الجهل والعجز والموت والصمم والعي ونحو ذلك، كل هذه صفات نقص يجب نفيها عن الله، وقد ودلت الأدلة الشرعية على ذلك، كقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:٥٨]، وكقوله تعالى: {فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:٥٢]، وكقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ} [فاطر:٤٤] وكقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدجال: (إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور)، وكقوله تعالى: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} [سبأ:٣]، وكقوله تعالى في آية الكرسي: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥] فكل ما فيه صفات نقص لا مدح فيها ولا كمال فيجب أن تنفى عن الله، وإنما نثبت لله عز وجل صفات الكمال فقط.
ولهذا لما وصفه اليهود بصفات النقص عاقبهم الله عز وجل، فعندما قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:٦٤]، قال: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:٦٤]، ولما وصفوه بالفقر وقالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:١٨١] قال: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران:١٨١].
فعاقبهم الله عز وجل بأن جعل مصيرهم العذاب المحرق، والله عز وجل قد نزه نفسه عن النقائص والعيوب جميعاً، وهناك أدلة كثيرة مثل: قول الله عز وجل: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:١١] وقول الله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥]، ومثل: قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:١ - ٤].
هذه السورة من أعظم السور المشتملة على التنزيه لله سبحانه وتعالى، وعندما يذكر الإنسان ربه سبحانه وتعالى بقوله: (سبحان الله)؛ فإن هذه الكلمة تشتمل على معنى التنزيه ونفي النقائص والعيوب عن الله سبحانه وتعالى، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ثبت في البخاري: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، وكلها تدل على التنزيه ونفي النقائص عن الله عز وجل، كما يدل عليه قول الله عز وجل: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:١٨٠ - ١٨٢].
أما إذا كانت الصفة مشتملة على النقص في حال وعلى الكمال في حال آخر، مثل: المخادعة والمكر، فالمخادعة في بعض الأحيان تكون نقصاً، وفي بعض الأحيان تكون كمالاً.
فلا نطلقها على الله عز وجل بإطلاق، ولا ننفيها عنه بإطلاق، وإنما نثبتها في المواطن التي أثبتها الله لنفسه كما قال الله عز وجل: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:١٤٢]، ونحو ذلك مثل: الكيد، قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:١٥ - ١٦]، ومثل: المكر، قال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠].
فلا يصح أن نثبت صفة المكر لله مطلقاً، فالإطلاق في الإثبات والإطلاق في النفي خطأ، وإنما نثبت المكر لله عز وجل بالمشركين الذين يمكرون، ونثبت الخداع لله عز وجل بالمشركين الذين يخادعونه وهكذا.
أما إذا كانت الصفة لا تشتمل على كمال بأي وجه من الوجوه، فإنه لا يصح إثباتها لله عز وجل، مثل: الخيانة، فليس فيها كمال بأي وجه من الوجوه، حتى لو خانه غيره، كما قال الله عز وجل: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:٧١] قال: {فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:٧١] ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة ليس فيها مدح بأي وجه من الوجوه.