الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد: فإن للعلم الشرعي أهمية كبرى في الإصلاح، وفي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى بالعلم، وحث عليه، وأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحث عليه، وكان سلف الأمة يتميز بالاهتمام بالعلم، والاشتغال به، والعناية بتحصيله، ونحن أحوج ما نكون إلى العلم الشرعي لا سيّما في مثل هذه الأوقات، وفي مثل هذه الأزمان التي انتشر فيها الفساد العقائدي والأخلاقي إلى درجة كبيرة، فالعناية بالعلم أمر مهم جداً بالنسبة للدعاة إلى الله سبحانه وتعالى.
يقول الله سبحانه وتعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}[محمد:١٩]، ويقول سبحانه وتعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران:١٨]، وروى البخاري عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).
فالفقه في الدين علامة على إرادة الله سبحانه وتعالى لصاحب العلم الخير، فهو يعلم الإنسان صحة عقيدته وصحة عمله، ويعلمه الأخلاق والآداب الفاضلة، وكذلك يعلمه كيفية تصحيح عقائد الناس، وكيفية تصحيح أعمالهم وأخلاقهم وأهدافهم، والدعوة إذا خلت من العلم فهي دعوة فاشلة وباطلة؛ لأنها ستكون من البدع، وسيدعو صاحبها إلى البدع والضلالات والانحرافات، وكما وقع في تاريخ المسلمين من أشخاص ينتسبون إلى الدعوة، ويشتغلون بها، فلما اشتغلوا بها على غير بصيرة وعلى غير علم شرعي وقعوا في البدع وفي الضلالات.
ولهذا فإن رموز أهل البدع في تاريخ المسلمين كلهم ليسوا من أهل العلم، ولا يعرفون بالاشتغال بالعلم، فمثلاً: من أكبر الطوائف الضالة المنحرفة في تاريخ المسلمين الجهمية، ورأسها هو الجهم بن صفوان، وهو لا يعرف عند أهل العلم بطلب للحديث، ولا بطلب للفقه، ولا العناية ولا اشتغال به، وكذلك أئمة البدع والضلالات على مر العصور لا يعرفون بالعلم، ولا يعرفون باشتغالهم بالعلم واهتمامهم به، ولهذا وقعت منهم هذه البدع، وأصبحوا ضالين مضلين، والعياذ بالله.
ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان عندما تظهر الفتن في حياة الناس يكون سبب ذلك انتشار وبروز الجهل، وخفاء العلم، ونسيانه عند الناس.
وأول شرك وقع فيه الإنسان كان بسبب نسيان العلم، وظهور الجهل، فوقع الشرك في أول أمة شركية وهم قوم نوح، ثم بعد ذلك جاء التوحيد على يد نوح عليه السلام، ثم بعد ذلك وقع الشرك، وهكذا حتى جاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأظهر التوحيد والتزمت به هذه الأمة.
فالعلم الشرعي له أهمية كبرى في الإصلاح، وفي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وبين الدعوة وبين العلم ارتباط كبير جداً، وقد عني السلف الصالح رضوان الله عليهم بعلم العقيدة بالذات؛ وسبب ذلك: أن علم العقيدة هو الذي يبنى عليه صحة دين الإنسان، يعني: كونه مسلماً أو غير مسلم، وكونه من أهل الجنة الخالدين فيها، أو من أهل النار الخالدين فيها، وهذا مبني على العقيدة؛ ولهذا اعتنوا بها اعتناء كبيراً، وشرحوها ووضحوها في واقعهم العملي وفي مصنفاتهم التي كتبوها للناس.