[معنى الإحصاء]
بقي أن ننبه على معنى الإحصاء الذي جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة).
وقد جاء في بعض الأحاديث ما يبين معنى الإحصاء، ومنها قوله: (من حفظها دخل الجنة) وهذا اللفظ في البخاري وفي مسلم، وبناءً على هذا فالروايات تفسر بعضها بعضاً، فهذا يدل على أن قوله: (من أحصاها) يعني: من حفظها.
فالحفظ - أي: حفظ التسعة والتسعين اسماً- داخل في معنى الإحصاء.
والإحصاء له عدة معان: أول معنى فيه هو حفظ هذه الأسماء وفهم معانيها، وهذا ما رجحه النووي رحمه الله في كتابه شرح صحيح مسلم، وكذلك الخطابي في شأن الدعاء فقد رجح أن المقصود بالإحصاء الحفظ.
وأفضل من رأيتُ ممن تكلم على مسألة الإحصاء هو ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد، فقد ذكر كلاماً محققاً وهو أن الإحصاء شامل لثلاثة أمور: الأمر الأول: الحفظ، ويدل عليها رواية البخاري: (من أحصاها) ورواية مسلم (من حفظها دخل الجنة).
والأمر الثاني: فهم معانيها، ويدل على ذلك أن كلمة (من أحصاها) في اللغة يمكن أن تستخدم لمعنى العقل، فإن العرب تسمي المحصي أو صاحب الحصاة العاقل الذي يعقل الأمور، لأن فيه معنى التدقيق، ولا يدقق إلا من فهم.
والمعنى الثالث: الدعاء بها والتعبد بها، ويدل على ذلك قول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠].
وقوله: {فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠] يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة، فدعاء المسألة مثل: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، أي: أن يسأل الإنسان ربه سبحانه وتعالى بأسمائه ومثل ذلك الرجل الذي دعا وقال: اللهم إنك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ثم دعا بعد ذلك.
فهذا الدعاء بأسماء الله عز وجل يسمى دعاء المسألة وهو الطلب.
وأما دعاء العبادة فهو التعبد بمعناها، وهو أنواع: أولها: الإيمان بها، وإثباتها كما أمر الله سبحانه وتعالى وكما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وثانيها: الاتصاف بما تضمنته من معان إذا أمكن الاتصاف بها، فمثلاً: الله عز وجل هو الكريم، فيستحب أن يكون الإنسان كريماً، وهو العفو، فيستحب أن يكون الإنسان عفواً، وهو سبحانه وتعالى العليم، فينبغي للإنسان أن يهتم بالعلم، وهكذا التعبد لله عز وجل بما تضمنته أسماؤه إذا أمكن من دعاء العبادة، وهذا الأمر دل عليه ما ثبت في صحيح مسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال)، فأخذوا من هذا الحديث أنه يستحب للإنسان أن يتصف بأسماء الله سبحانه وتعالى وبما تدل عليه من المعاني إذا أمكن.
وقولنا: إذا أمكن؛ لأن هناك أسماء لله عز وجل لا يمكن أن يتصف الإنسان بما تدل عليه من المعاني مثل: الخالق والمتكبر ونحو ذلك، فهناك أسماء تدل على معان خاصة بالله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يتصف بها الإنسان، وإنما يتصف الإنسان بما تدل عليه من المعاني الممكنة مثل الرحمن فيأخذ الإنسان منها صفة الرحمة، وهكذا كثير في أسماء الله سبحانه وتعالى.
وهناك أسماء متعددة لهذا النوع من التعبد، أطلقها عدد من المشتغلين بأسماء الله عز وجل، وأخطئوا في الإطلاق، فالفلاسفة يقولون: ينبغي على الإنسان أن يتشبه بالله، ولا شك أن هذا استخدام سيء وقبيح.
وبعضهم يقول: إنه ينبغي التخلق بأخلاق الله، وهذا استخدام عند بعض الصوفية وهو استخدام ليس بمناسب.
وبعض من تكلم في هذا الأمر يقول: إنه ينبغي أن يتعبد الإنسان بما تدل عليه معاني أسماء الله سبحانه وتعالى، وأفضلها أن يقول الإنسان الدعاء بمعناه، والدعاء كما سبق ينقسم إلى دعاء المسألة ودعاء العبادة، وحينئذ يكون الإنسان موافقاً للهدي النبوي وللأمر الشرعي.
بقي أن ننبه في هذه القاعدة إلى أمرين مهمين: الأمر الأول: أن هناك أسماء لله سبحانه وتعالى تدل على صفة واحدة، مثاله القدير والقادر والمقتدر فكلها مشتقة من صفة واحدة وهي القدرة، وهي ثلاثة أسماء حتى ولو كانت تدل على معنى واحد، ومثل العلي والأعلى والمتعال وهي تدل على معنى العلو: علو الشرف وعلو الذات، وهذه وإن دلت على معنى واحد إلا أنها أيضاً ثلاثة أسماء لله سبحانه وتعالى.
الأمر الثاني: هناك أسماء مقترنة، لا يصح أن يطلق واحد منها على الله عز وجل دون الآخر، مثاله: المعز المذل، أو الرافع الواضع، أو القابض الباسط أو نحو ذلك من الأسماء المقترنة فلا يصح أن يطلق الإنسان واحداً منها دون الآخر لأنه يكمل بعضها بعضاً في المعنى، ولكنهما يعتبران مع هذا اسمان.
وهناك عدد من أهل العلم اجتهدوا في جمع أسماء الله سبحانه وتعالى، واختلفوا في هذه الأسماء، فبعضهم يذكر اسماً من أسماء الله عز وجل ويقول: إنه اسم ثابت، وبعضهم ينفيه، وخاصة الأسماء التي وردت