[عقيدة المعتزلة والأشاعرة في توقيف أسماء الله]
وأما عقيدة المعتزلة فإنهم انقسموا إلى قسمين: معتزلة البصرة، ومعتزلة بغداد.
فأما معتزلة البصرة فقد كانوا يقولون: إنه يصح إجراء الأسماء على الله سبحانه وتعالى بمقتضى العدل من غير إذن منه، فإذا تصور الإنسان معنىً شريفاً يصح أن يسمى الله عز وجل به حتى ولو لم يرد به السمع، أي: لم ترد به النصوص.
ومن أكثر من أشار إلى هذا وسمى الله عز وجل بأسماء غير لائقة أبو علي الجبائي وهو من معتزلة البصرة، ونص على ذلك القاضي عبد الجبار الهمداني في كتابه شرح الأصول الخمسة، وقال: إنه ثبت عقلاً أنه يصح أن يسمى المخلوق بأسماء إذا كانت معانيها صحيحة، وبناءً على هذا فكذلك الخالق يصح من باب قياس الغائب على الشاهد، كما يقولون.
وهذا الكلام باطل، والسبب في ذلك: أن المخلوق في الواقع لا يصح أن يسمى بغير اسمه، فلو أن رجلاً كان اسمه علياً فسماه رجل محمداً؛ لأنه محمود بين الناس فلا يصح أن يسميه ويناديه: يا محمد! بإجماع العقلاء، والإشكال الذي وقع فيه هؤلاء أنهم لم يفرقوا بين الأسماء وبين الأخبار.
فالأسماء والتي هي الأعلام لا يصح أن يسمى الله سبحانه وتعالى باسم منها إلا إذا دل عليه دليل من القرآن أو من السنة؛ لأنها أخبار غيب، والغيب لا يثبت بالعقل، وإنما يثبت بالخبر عنه أو بالسمع.
وبناءً على ذلك فقد خلطوا وصح عندهم أن يسمى الله عز وجل بأي اسم من الأسماء التي يرونها فسموه بالقديم، وسموه بواجب الوجود، وأطلقوا عليه أنه المتكلم وأنه المريد، وهكذا.
وكل هذه أسماء لم ترد في الكتاب ولا السنة.
وقد سبق أن بينا أن الصفة إذا كانت عامة فهي منقسمة إلى معنى صحيح ومعنى فاسد، ولا يصح أن يؤخذ منها اسم من أسماء الله، فالمريد مثلاً أو وصف الله بالإرادة يمكن أن تكون إرادة خير ويمكن أن تكون إرادة شر فلا يصح أن يؤخذ منها اسم لله عز وجل وهو المريد؛ وذلك لأمرين: الأمر الأول: عدم ورود اسم المريد في الكتاب والسنة أنه اسماً لله سبحانه وتعالى.
والأمر الثاني: أن معناها منقسم إلى معنى حسن ومعنى قبيح، وكما تعلمون أن الله سبحانه وتعالى وصف كل أسمائه بأنها حسنى، فقال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف:١٨٠].
وأما معتزلة بغداد فإنهم قالوا بأن أسماء الله عز وجل توقيفية فوافقوا بذلك السلف.
أما الأشاعرة فإن جمهورهم قالوا: إن أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية، وخالف جمهور الأشاعرة القاضي أبو بكر الباقلاني ووافق المعتزلة البصريين، وقال: يصح أن يسمى الله سبحانه وتعالى من غير توقيف، يعني: يصح أن يطلق على الله عز وجل أسماء لم ترد في الكتاب ولا السنة.
أما إمام الحرمين الجويني -وهو من الأشاعرة- فقد توقف وقال: لا نقول: إنه يصح إطلاق الأسماء على الله عز وجل من غير توقيف مطلقاً، ولا يصح أيضاً أن نقول: إنه يشترط فيها التوقيف، فنتوقف في هذه المسألة، وقال: إنه ليس عندي دليل في ذلك، وقد ذكر ذلك في كتابه الإرشاد.
والحق هو ما سبق أن بيناه: أن أسماء الله عز وجل توقيفية لا تؤخذ إلا من النصوص الشرعية فقط.
وقد ذكر السفاريني رحمه الله في منظومته أن أسماء الله عز وجل توقيفية، فقال: لكنها في الحق توقيفية لنا بذا أدلة وفية (لكنها) أي: أسماء الله عز وجل.
(في الحق) أي: في القول الصحيح.
ثم ذكر رحمه الله في الشرح: أن أسماء الله عز وجل تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: الأسماء التي ورد الإذن بإطلاقها، قال: وقد أجمع أهل السنة على أنه يجوز إطلاقها على الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل أذن بذلك.
وهناك أسماء ورد المنع من إطلاقها.
قال: وقد أجمع أهل السنة على أنه لا يجوز إطلاقها على الله سبحانه وتعالى.
ثم قال: إن هناك نوعاً ثالثاً من الأسماء وهي الأسماء التي لم يرد إطلاقها، ولم يرد المنع منها.
ثم قال: إن أهل السنة اختلفوا في ذلك، وذكر أنهم على قسمين: جمهور أهل السنة وهم الذين قالوا: إنه يمنع أن يطلق على الله عز وجل اسماً لم يطلقه على نفسه.
ثم ذكر طائفة سماهم من أهل السنة وقال: إنهم جوزوا أن يطلق على الله عز وجل اسماً لم يرد المنع منه ولم يرد إثباته.
والحق هو أن السفاريني رحمه الله يخلط في مصطلح أهل السنة فيجعل طوائف من الأشاعرة من أهل السنة، وقد ذكر هذا في مقدمة شرحه في لوامع الأنوار.
والواجب هو أن تمحص كلمة أهل السنة، فلا تطلق إلا على المتبعين لآثار الرسول صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد والعمل.
وأما الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة فإنهم لا يدخلون في السنة بهذا المعنى، وبناءً على ذلك فنقول: إن أهل السنة تنقسم عندهم أسماء الله عز وجل إلى قسمين: القسم الأول: هو الذي ثبت بالنصوص وحينئذ نطلقها على الله سبحانه وتعالى.
ونوع آخر: وهي التي لم ترد في الكتاب ولا السنة سواءً بنفي أو بإثبات وهذا ما نرده ولا نثبته لله سبحانه وتعالى ما دام أن الخبر لم يرد من الله عز وجل ومن الرسول صلى الله