للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:

[التحذير من الاختلاف المؤدي إلى الفرقة بين المسلمين]

السؤال

كثرت بين الشباب في هذه الأيام النقاشات والجدال وهم بين محق ومبطل؛ وذلك يعود لأسباب أهمها: اتباع الهوى، وترك منهج السلف الصالح، فإذا قيل لأحدهم: قال الله.

قال رسوله.

كان جوابه: هذا صحيح، ولكن، ثم بدأ يعدد حججاً عقلية لا صلة لها بالدليل، فهل من وصية لهذا الصنف من الشباب؟

الجواب

الوصية وصيتان: وصية لهذا الصنف، ووصية أيضاً لغيره.

أما الوصية لهذا الصنف: فقد بينت في أثناء المحاضرة أن الواجب على العبد أن يكون مخلصاً لله جل وعلا، مبتعداً عن الهوى وعن أسبابه، وأهل الدين وأهل الخير كل واحد منهم يريد صلاح قلبه ونفسه وصلاح من حوله، ولابد أن يحاسب المرء نفسه في أن يكون الدليل وقول أئمة أهل السنة وأئمة الإسلام وعلماء السنة أن يكون قولهم محكماً، وألا يذهب إلى آراء وأفكار ليست مقرة عند أولئك الأئمة، وليست معروفة عند أهل السنة، فيما كتبوا في عقائدهم وأقوالهم.

والواجب على هؤلاء أن يتقوا الله جل وجلاله، وأن يسعوا في تطبيق السنة على أنفسهم قولاً وعملاً، وأن يتبعوا ما قال الله جل جلاله، وما قاله رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يكون في القلب حرج مما جاء من الكتاب والسنة، فإن الصحابة رضوان الله عليهم لما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً عشر سنوات في الصلح المعروف بصلح الحديبية كان كثير من الصحابة يرون أن الخير في قتالهم، وأن جهاد أولئك المشركين وغزو مكة وفتح مكة أنه خير، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم ما أعطاهم حتى قال عمر: (يا رسول الله، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى، قال: فعلامَ نقبل الدنية في ديننا)، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ما أمره الله جل وعلا به، فكانت عاقبة اتباع أمر الله جل وعلا وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة الله وطاعة رسوله أن كان ذلك الصلح الذي كان ظاهره ضد المسلمين وضد الصحابة، أن كان ذلك الصلح فتحاً مبيناً، فقد أنزل الله جل وعلا فيه آيات عظيمات، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:١]؛ وذلك الفتح هو صلح الحديبية؛ لأن الله جل وعلا جعل ذلك الصلح فيه من الخيرات والفتح للمسلمين ما تقووا به، فانتشرت به الدعوة، وتبعه فتح خيبر، وتبعه انتشار الإسلام وقوة أهل الإسلام على من عداهم، فكان فيه أنواع من الخير والفلاح.

إذاً: طاعة الله ورسوله فيها الخير والصلاح؛ فإذا ترك العبد هواه وما يشتهي وترك الآراء التي تعتاد ذهنه أو قلبه إلى ما دلت عليه النصوص على فهم الصحابة، وعلى فهم أئمة الإسلام، فإن ذلك عاقبته إلى الخير، ولا بد من الاتباع وترك الابتداع.

الوصية الثانية: أنه يجب على المسلمين، وخاصة الذين يهتمون بهذه الأمور أمور الخلافات أن يمتثلوا الوصية العامة في الائتلاف وعدم الاختلاف، وألا يجعلوا للشيطان عليهم مدخلاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم في الصلاة بتسوية الصفوف وقال: (لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم).

وقال أيضاً: (لينوا بأيدي إخوانكم)، وهذا هو الواجب أن المسلم يتعاون مع إخوانه على البر والتقوى، وألا يتعاون معهم على الإثم والعدوان، وألا يعتقد أنه هو المفضل على غيره، بل يحاسب نفسه ويتمنى أن يكون غيره مهتدياً، كما أن الله جل وعلا هداه، وكل يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والواجب على الناس الائتلاف وعدم الاختلاف، فالله جل وعلا منّ علينا بالائتلاف والمحبة، ومنّ علينا بأنه لا مشاحنات ولا تحزبات ولا فئات فيما بيننا وهذه نعمة عظيمة، وتحصل النزاعات ويحصل الافتراق إذا فرط العباد في أمر الله جل جلاله، كما قال الله جل وعلا: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:١٤].

فقوله: ((وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ)) يعني: أن يتبعوا العلم وأن يتركوا الهوى وأن يتبعوا ما جاءهم وما أخذ عليهم من الميثاق والعهد، ((فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)) يعني: تركوا بعض ما ذكروا به، تركوا نصيباً مما أمروا به ومما نهوا عنه، فكانت العاقبة أن عاقبهم الله جل وعلا بالفرقة فيما بينهم، قال سبحانه: ((فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)).

وقد قال ابن شهاب الزهري وغيره: إنما تفرقت اليهود والنصارى من قبل الآراء والأهواء، فالآراء والأهواء هي التي تفرق، واعتماد الدليل واتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا هو الذي يجمع الناس ويؤلف بين قلوبهم، قال عز وجل: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَت

<<  <  ج: ص: