[الرد على أهل التعطيل القائلين بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبهذا علم ضلال من سلبوا أسماء الله تعالى معانيها من أهل التعطيل وقالوا: إن الله تعالى سميع بلا سمع وبصير بلا بصر وعزيز بلا عزة وهكذا، وعللوا ذلك بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء، وهذه العلة عليلة، بل ميتة؛ لدلالة السمع والعقل على بطلانها].
والمقصود بالسمع: أدلة القرآن والسنة، وسميت سمعاً؛ لأنها تتلقى عن طريق السماع، وأدلة القرآن والسنة تنقسم إلى قسمين: أدلة عقلية تتضمن البراهين العقلية.
وأدلة خبرية: تتضمن الخبر المجرد عن الله سبحانه وتعالى.
فأصل قوله (بالسمع)، أي: ما ورد عن الله من الخبر عن صفاته، وأبطل هذه العلة أيضاً بالعقل، والذين عطلوا الصفات يعتبرون أنفسهم أرباب المعقولات، وهم في الحقيقة أرباب الجهالات وليس لهم معقولات، ومعقولاتهم هي الأهواء فقط، فإنهم يأتون إلى النصوص ويحرفون معانيها ويعبثون بها، ثم يظنون أن هذا من العقل وهم في الحقيقة أبعد الناس عن العقل، بل هي أهواء وشهوات نفسية تجعلهم يعبثون بالنصوص، ثم يسمونها معقولات، وإنما أهل العقل هم أهل السنة؛ لأنهم وافقوا النصوص، ولا يمكن أبداً أن يكون هناك خلاف بين العقل والشرع؛ لأن صاحب الشريعة هو الله سبحانه وتعالى، والذي خلق العقل هو الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤]، فلا يمكن حدوث تضارب بين شرعه وخبره وبين العقل، إلا أن يكون الخبر ضعيفاً، أو يكون العقل باطلاً، فالعقل الصحيح لا يعارض النقل الصحيح الصريح بأي وجه من الوجوه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أما السمع: فلأن الله تعالى وصف نفسه بأوصاف كثيرة مع أنه الواحد الأحد، فقال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:١٢ - ١٦].
وقال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى:١ - ٥].
ففي هذه الآيات الكريمة أوصاف كثيرة لموصوف واحد ولم يلزم من ثبوتها تعدد القدماء.
وأما العقل: فلأن الصفات ليست ذواتاً بائنة من الموصوف حتى يلزم من ثبوتها التعدد].
معنى قوله: (ليست ذواتاً بائنة أي: ليست منفصلة عن الموصوف، وإنما هي صفات متعلقة بالموصوف، فلا يلزم منها ثبوت التعدد كما يظنون.
قال المؤلف رحمه الله: [وإنما هي من صفات من اتصف بها فهي قائمة به، وكل موجود فلابد له من تعدد صفاته، ففيه صفة الوجود، وكونه واجب الوجود أو ممكن الوجود وكونه عيناً قائماً بنفسه أو وصفاً في غيره].
قوله: (واجب الوجود، وممكن الوجود) هي في الأصل ألفاظ فلسفية، أتى بها الفلاسفة وقسموا ما يمكن، أو ما يتخيل أن يوجد إلى ثلاثة أقسام: واجب الوجود، وممكن الوجود، ومستحيل الوجود.
فواجب الوجود: هو الذي لابد أن يكون ويجب أن يوجد، وهو الإله.
وممكن الوجود: هي المخلوقات، فإن هذه المخلوقات ممكن أن تكون موجودة وممكن ألا تكون موجودة، فقبل مائتين سنة كان بالإمكان ألا نكون وكان بالإمكان أن نكون، فكنا كما أراد الله سبحانه وتعالى، فهذا ما يسمونه ممكن الوجود، أي: أن وجودنا ليس لازماً وإنما هو ممكن وأراده الله عز وجل فكان.
وأما المستحيل أو ممتنع الوجود: فهو الأمور التي يستحيل وجودها مثل اجتماع النقائض، كاجتماع الحركة والسكون في جسم واحد، فهذا مستحيل، ولا يمكن أن توجد حركة وسكون في جسم واحد، وهذا ما يسمونه ممتنع الوجود، ولهذا ذكرها الشيخ على أنها من الصفات.