وهذا الشبه حير رؤساء الكهنة في حقيقة المأخوذ، فحاولوا استجلاء الحقيقة بسؤال المأخوذ، فلم ينكر ولم يثبت.
وأما يهوذا فقد عرف أن لا فائدة من إنكاره، إذ لن يصدقه أحد، ولربما ولفرط ندمه قد استسلم لرداه، ورضي بعقوبة الله له، أن يصلب عن المسيح، لعله بذلك أن يفديه، لذلك تكرر سكوته.
وهذا الموقف ليس بعيداً عمن ذكرت الأناجيل أنه لفرط ندمه خنق نفسه، وانتحر.
لقد تحققت فيه نبوءات المزامير "وإذا حوكم فليخرج مذنباً ... ووظيفته ليأخذها آخر"(المزمور ١٠٩/ ٦ - ٨)، لقد أتى ليخطف المسيح، فلم يستطع .. "حينئذ رددت الذي لم أخطفه"(المزمور ٦٩/ ٤).
وقد يشكل هنا أن متى ذكر في إنجيله أن يهوذا مات مخنوقاً (انظر متى ٢٧/ ٢ - ٥)، ويكفي في دفعه أن نتذكر ما ذكره سفر أعمال الرسل عن موته حين سقوطه وخروج أحشائه. (انظر أعمال ١/ ١٦ - ٢٠)، وسبب وقوع الإنجيليين في هذا التناقض اختفاء يهوذا، فاخترع كل من متى ولوقا نهاية ليهوذا تليق بجريمته، فهذا التناقض بين الروايتين الإنجيليتين، مشعر بوجود نهاية حقيقية، خفيت على الكاتبين، ودفعتهما لاختلاق روايتيهما.
وقد يعترض معترض بذكر بعض الأحداث التي حصلت بعد وقوع الجموع، فقد ذكر الإنجيليون أن بطرس حمل السيف، وضرب أذن العبد فأمره المسيح برد السيف، لأن من ضرب بالسيف يؤخذ به، فهرب بطرس والتلاميذ. (انظر يوحنا ١٨/ ١٠ - ١٩)، وهذه القصة يجعلها يوحنا بعد حادثة تراجع الجند، ووقوعهم على الأرض.