أدركت العلماء وقد استغْنَوْا بعلمهم عن أهل الدنيا، ولم يستغنِ أهل الدنيا بدنياهم عن علمهم، فلما رأى ذلك هذا وأصحابُه تعلموا العلم فلم يستغنوا به، واستغنى أهل الدنيا بدنياهم عن علمهم، فلما رأوا ذلك قَذَفوا بعلمهم إلى أهل الدنيا، ولم يُنلهم أهل الدنيا من دنياهم شيئًا، إن هذا وأصحابه ليسوا علماء، إنما هم رواة (١).
قال الزهري: إنه لَجَاري منذ حين، وما علمتُ أن هذا عنده! .
قال: صدق، أما إني لو كنتُ غنيًا عرفتَني.
قال: فقال له سليمان: ما المخرجُ مما نحن فيه؟ قال: تُمضي ما في يديك بما أُمرتَ به، وتكفُّ عما نُهيت عنه! قال: سبحان الله ومن يُطيق هذا؟ قال: من طلب الجنة وفرَّ من النار، وما هذا فيما تطلب وتفرُّ منه بقليل.
١٦٧١ - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد ابن أبي عمرو قالا:
(١) تحدَّث الإمام أبو عبد الله ابن الحاج العبدري المالكي المتوفى سنة ٧٣٥ رحمه الله تعالى، في أول كتابه الشهير باسم "المدخل" عن هذا المعنى طويلًا، ومما جاء فيه ١: ١٧ عن شيخه الإمام العارف القدوة أبي محمد ابن أبي جمرة صاحب "بهجة النفوس" المتوفى سنة ٦٩٩ رحمه الله، أنه كان "إذا ذُكر له من علماء وقته ممن يُنسب إلى طَرَف مما ذُكِر- أي: العلم، مع قليل من العمل بالنسبة إلى ذلك الزمان - ويُثْنَى عليه إذ ذاك بفضيلة العلم، يقول: ناقلٌ ناقلٌ، خوفًا منه رحمه الله على منصب العلم أن يُنسب إلى غير أهله، وخوفًا من أن يكون ذلك كذبًا أيضًا، لأن الناقل ليس بعالم في الحقيقة، وإنما هو صانع من الصناع .. ". ورضي الله عن أمّنا السيدة عائشة الصديقة القائلة: رحم الله لبيدًا كيف لو أدرك زماننا! ! .