(٢) فائدة: أن (ذلك) و (هذا) حرفا إشارة، وأصلهما (ذا) لأنه حرف الإشارة، قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي [البقرة:٢٤٥]،ومعنى (ها) تنبيه، فإذا قرب الشيء أشير إليه، فقيل: (هذا) أي تنبّه أيها المخاطب لما أشرت إليه، فإنه حاضر معك بحيث تراه. وقد تدخل (اللام) و (الكاف) على (ذا) للمخاطبة ولتأكيد معنى الإشارة، فقيل: (ذلك) فكأن المتكلم بالغ في التنبيه؛ للفت انتباه المخاطب إلى المشار إليه لتأخره عنه. مما يدل على أن لفظة (ذلك) لا تفيد البعد في أصل الوضع، بل اختص في العرف بالإشارة إلى البعيد للقرينة التي ذكرناها. فصارت كالدابة فإنها مختصة في العرف بالفرس وإن كانت في أصل الوضع متناولة لكل ما يدب على الأرض. وإذا ثبت هذا فنقول: إن مقتضى الحال في السياق ل (ذلك) يحمل على أصل الوضع اللغوي، لا على مقتضى الاستعمال العرفي، وحينئذ لا يفيد البعد المكاني، وإنما يفيد البعد الذهني لانشغاله عن المطلوب، فتطلّب لفت النظر للفكر بحرف الإشارة للبعيد، وموضوعه هنا القريب بقصد المبالغة في التأكيد. ولأجل هذه المقارنة قام كل واحد من اللفظين مقام الآخر نظير قوله تعالى: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:١٩] والله أعلم. (٣) الريب: قريب من الشك، وليس بشك؛ في الكليات: ص ٤٦٤:فصل الراء: قال الكفوي: «كل ما في القرآن من ريب فهو شك، إلا رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور:٣٠] فإن المراد حوادث الدهر». وهذا ما ذهب إليه جمهور المفسرين. والريب في اللغة: صرف الدهر؛ أي الحوادث؛ والحاجة؛ والظنة؛ والتهمة؛ كالرّيبة بالكسر. يقال: رابني كذا، وأرابني، فهو أن تتوهم بالشيء أمرا ما، فينكشف عما تتوهمه، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ [الحج:٥] وقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا [البقرة:٢٣] تنبيها على أنه لا ريب فيه.-