متمسّكين بديننا؛ فقال الله عزّ وجلّ: {(وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)} وإنّما وحّد في أوّل الآية وجمع الضمير في آخرها؛ لأنّ لفظ (من) للوحدان، ومعناه يصلح للمذكّر والمؤنّث؛ والاثنين والجماعة؛ فعدل تارة إلى اللّفظ وتارة للمعنى؛ ومنه قوله تعالى:{بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ} الآية، {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ} الآية.
قوله عزّ وجلّ:{يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا؛} أي يخالفون الله ويكذبونه ويكذبون المؤمنين. ويخالفونهم في ضمائرهم وهم المنافقون. وأصل الخدع في اللغة الاختفاء؛ ومنه قيل للبيت الذي يخبّأ فيه المتاع: مخدع؛ فالمخادع يظهر خلاف ما يضمر. وقال بعضهم: أصل الخداع في اللغة: الفساد. وقال الشاعر:
أبيض اللّون لذيذ طعمه ... طيّب الرّيق إذا الرّيق خدع
أي فسد، فيكون المعنى: مفسدون ما أظهروا بألسنتهم مما أضمروا في قلوبهم.
وقيل: معناه: يخادعون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كقوله تعالى: {فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ} أي آسفوا نبيّنا. وقوله تعالى:{الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} أي أولياء الله؛ لأنّ الله تعالى لا يؤذى ولا يخادع. وقد يكون المفاعلة من واحد كالمسافرة.
فإن قيل: ما وجه مخادعتهم الله؛ وهو لا يخفى عليه شيء؟ وما وجه مخادعة المؤمنين ومخادعة أنفسهم؟ قيل: المخادعة الإخفاء، يقال: انخدعت الضّبية في جحرها.
والله تعالى لا يخادع في الحقيقة، ولكن أطلق عليه اسم المخادعة لمّا فعلوا فعل المخادعين. ولو كان يصحّ لهم خداعهم لقال: يخدعون الله. وقيل: معناه: يخادعون رسول الله.
وأما مخادعة المؤمنين؛ فإظهارهم لهم الإسلام تقية؛ وقيل: إظهار الإسلام لهم ليكرموهم ويبجّلوهم. وقيل: أظهروا لهم ذلك ليفشوا إليهم سرّهم فينقلوه إلى