للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أعدائهم. وأمّا مخادعة أنفسهم فضرر ذلك عليهم. قال الله تعالى: {وَما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ؛} لأنّ وبال الخداع عائد إلى أنفسهم فكأنّهم في الحقيقة إنّما يخدعون أنفسهم (١).

قوله تعالى: {وَما يَشْعُرُونَ} (٩)؛أي وما يعلمون أنه كذلك. والشعر:

هو العلم الدقيق الذي يكون حادثا من الفطنة؛ وهو من شعار القلب؛ ومنه سمي الشاعر شاعرا لفطنته لما يدقّ من المعنى والوزن، ومنه الشعر لدقّته. ويقال: ما شعرت به؛ أي ما علمت به. وليت شعري ما صنع فلان؛ أي ليت علمي.

واختلف القرّاء في قوله تعالى: {(وَما يَخْدَعُونَ)} فقرأ نافع؛ وابن كثير؛ وأبو عمرو: «(يخادعون)» بالألف. وقرأ الباقون: «(يخدعون)» بغير ألف على أشهر اللغتين وأفصحهما؛ واختاره أبو عبيد. ولا خلاف في الأول أنه بالألف.

قوله عزّ وجلّ: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ؛} أي شكّ ونفاق، وسمي النفاق مرضا لأنه يهلك صاحبه؛ ولأنه يضطرب في الدّين يوالي المؤمنين باللسان؛ والكفار بالقلب؛ فحاله كحال المريض الذي هو مضطرب بين الحياة والموت. وقيل: إنّ الشكّ؛ أي بالقول: ألم القلب، والمرض: ألم البدن. فسمّي الشكّ مرضا لما فيه من الهمّ والحزن. وقيل: سمي النفاق مرضا؛ لأنه يضعف الدّين واليقين كالمرض الذي يضعف البدن وينقص قواه؛ ولأنه يؤدّي إلى الهلاك بالعذاب كما أن المرض في البدن يؤدّي إلى الهلاك بالموت.

قوله تعالى: {فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً؛} أي شكّا ونفاقا وعذابا وهلاكا.

والفاء في {(فَزادَهُمُ اللهُ)} بمعنى المجازاة. وقيل: على وجه الدّعاء، {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ؛} أي موجع يخلص وجعه إلى قلوبهم؛ وهو بمعنى مؤلم. قوله تعالى: {بِما كانُوا يَكْذِبُونَ} (١٠)؛قال بعضهم: الباء في (بما) صلة؛ أي لهم عذاب أليم بكذبهم وتكذيبهم الله ورسوله في السرّ؛ فيكون (ما) مصدرية؛ والأولى إعمال الحروف. و (ما) وجد لها مساغ؛ أي بالشّيء الذي يكذّبون.


(١) النفس هنا: ذات الشيء وحقيقته، ولا تختصّ بالأجسام لقوله تعالى: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ [المائدة:١١٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>