للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال بعضهم معنى قوله تعالى: {(فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ)} الصّناديد، وقوله تعالى: {(وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ)} يعني السّفلة. إلا أنّ الأوّل أصحّ. وقيل: معناه: واضربوا منهم كلّ عضو أمكنكم، وليس عليكم توقّي عضو دون عضو.

وعن أبي سعيد الفاراني أنه كان يقول: (أراد الله أن لا تتلطّخ سيوف المسلمين بفرث الكفّار، فأمرهم أن يضربوا فوق الأعناق ويضربوا منهم كلّ بنان).

والبنان في اللغة: هو الأصابع وغيرها من الأعضاء التي بها يكون قوام الإنسان صونا لمكانه وحياته، مأخوذ من قولهم: أبن الرجل بالمقام إذا أقام به.

قوله تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ؛} أي ذلك الضّرب والقتل بأنّهم شاقّوا أولياء الله ورسوله، والمشاقّة أن يصير أحد العدوّين في شقّ والآخر في شقّ آخر، كما أن المجادلة أن يصير أحدهما في حدّ غير حدّ الآخر. وقوله تعالى: {وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ؛} أي ومن يخالف أولياء الله، {فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ} (١٣)،له.

وأما إظهار التضعيف في موضع الجزم في قوله {(يُشاقِقِ)} فهو لغة أهل الحجاز، وغيرهم يدغم أحد الحرفين في الآخر لاجتماعهما من جنس واحد، كما قال تعالى في سورة الحشر {وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ} بقاف واحدة.

وقوله تعالى: {ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ؛} معناه: إن الذي ذكرت لكم أيّها الكفار من العذاب العاجل في الدّنيا فذوقوه. ثم بيّن جلّ ذكره أن القتل في الدّنيا لا يصير كفارة لهم، وأنّ الله سيعاقبهم في الآخرة بقوله: {وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النّارِ} (١٤)،وإنما قال تعالى في عذاب الدّنيا {(فَذُوقُوهُ)؛} لأن الذوق يتناول اليسير من الشيء، وكلّ ما يلقى الكفار من ضرب أو قتل في الدّنيا فهو قليل من العذاب يعجّل لهم، ومعظم عذابهم يؤخّر إلى يوم القيامة.

قوله تعالى: {(وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النّارِ)} في فتح (أنّ) وجهان أحدهما: لأنّها في موضع الرفع تقديره ذلكم فذوقوه، وذلكم أنّ للكافرين. والثاني: لأنّها في موضع النصب؛ تقديره: ذلكم فذوقوه واعلموا أنّ للكافرين. وقيل: واعلموا بأنّ للكافرين، فلما حذف الباء نصب.

<<  <  ج: ص:  >  >>