للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله عزّ وجلّ: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ} (١٥)؛خطاب من الله للمسلمين حين التقوا بالعدوّ يوم بدر، معناه:

إذا لقيتم الذين كفروا مزاحفة مستعدّين لحربهم، فلا تنهزموا حتى تدبروا. والزحف في اللغة: هو الدّنوّ قليلا قليلا، والزحف التّداني، يقال: زاحفت القوم إذا ثبت لهم، فكأنّه قال تعالى: إذا واقعتموهم للقتال فاثبتوا لهم. والتّولية: جعل الشيء يلي غيره وهو متعدّ إلى مفعولين، وولّى دبره إذا جعله إليه.

قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ؛} أي ومن يجعل ظهره إليهم وقت القتال، {إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ؛} إلا أن ينحرف ليقاتل في موضع يراه أصلح في باب المحاربة، وليطلب غرّة يطمع فيها من العدوّ. قوله تعالى: {أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ؛} أي إلا أن يقصد الانضمام إلى جماعة يمنعونه من العدوّ، يعني إذا كثر العدوّ للمؤمنين فيه يلجئون، فيحاربون العدوّ بعد ذلك معهم؛ كان لهم ترك القتال عند ذلك، ومن ولاّهم الدّبر على سبيل الانهزام من غير هذين الوجهين، {فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ،} فقد احتمل غضبا من الله، {وَمَأْواهُ؛} في الآخرة {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (١٦)،صار إليه.

والتّحرّف في اللغة: هو الزّوال من جهة الاستواء، والتّحيّز: طلب حيّز يكمن فيه.

واختلف العلماء هل الوعيد في هذه الآية مقصور على حرب بدر أم هو عامّ في جميع الأوقات؟ قال بعضهم: إنه خاصّ في حرب بدر؛ لأنه لم يكن يومئذ للمسلمين فيه سواهم، وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حاضرا في ذلك الحرب، وكان النصر موعودا إليه يومئذ ومع حضوره، وكان لا يعدّ غيره فئة، وكان المنهزم عن القتال يومئذ غير متحيّز إلى فئة، فأما اليوم المنهزم عن الحرب يكون متحيّزا إلى فئة أعظم من المحاربين من المسلمين. وقال بعضهم: إنه عامّ في جميع الأوقات، ولا يجوز الانهزام عن قتال المشركين مع قوّة القتال، وإلى هذا ذهب ابن عباس، وذكر محمّد بن الحسن في السّير الكبير (أنّ الجيش إذا بلغوا اثنى عشر ألفا فليس لهم أن يفرّوا من عدوّهم وإن كثر

<<  <  ج: ص:  >  >>