للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (٢٤)؛عطف على قوله: {(أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)}. معناه: واعلموا أنّ محشركم في الآخرة إلى الله، فيجزي كلّ عامل بما عمل، إن كان خيرا فخير، وإن كان شرّا فشرّ.

وقيل: في آخر الآية تأويل الآية؛ أي الذي يحول بين المرء وقلبه قادر على أن يبدّل خوفكم أمنا، وأمن عدوّكم خوفا، فيجعل القويّ ضعيفا والضعيف قويا، والعزيز ذليلا والذليل عزيزا، والشّجاع جبانا، والجبان شجاعا، يفعل ما يشاء وما يريد، فأجيبوا الرسول في الجهاد ولا تخافوا ضعفكم.

قوله عزّ وجلّ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً؛} نزلت في عثمان وعليّ رضي الله عنهما، أخبر الله النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالفتنة التي تكون تسببها أنّها ستكون بعدك يلقاها أصحابك تصيب الظالم والمظلوم، ولا تكون بالظّلمة وحدهم خاصّة ولكنّها عامة، وأخبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك أصحابه، فكان بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الفتن بسبب عليّ وعثمان ما لا يخفى على أحد (١).

قوله تعالى: {(لا تُصِيبَنَّ)} جواب الأمر بلفظ النّهي، كما يقال: انزل من الدّابة لا تطرحك أو لا تطرحنّك، معناه: أن تنزل عنها لا تطرحنّك، فاذا أثبتّ النون الخفيفة والثقيلة كان آكد للكلام، ومنه قوله تعالى: {اُدْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ} (٢).

والمراد بالفتنة القتل الذي ركب الناس فيه بالظّلم، وكان أمر الله أمرا باتّقاء ترك الإنكار على أهل المعاصي واتّقاء الاختلاط بأهل المعصية، قال ابن عبّاس: (أمر الله المؤمنين أن لا يقرّوا المنكر بين أظهرهم، فيعمّهم الله بالعذاب) (٣).


(١) عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [يكون بين النّاس من أصحابي فتنة يغفرها الله لهم بصحبتهم إيّاي، يستنّ بهم فيها ناس بعدهم يدخلهم الله بها النّار].حكاه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ٧ ص ٣٩١: تفسير الآية.
(٢) النمل ١٨/.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢٣٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>