والحسرة: مأخوذة من الكشف، يقال: حسر رأسه إذا كشفه، والحاسر: كاشف الرّأس، فيكون المعنى: ثم يكشف لهم عن ذلك ما يكون حسرة عليهم. قيل: كان يطعم كلّ واحد منهم كلّ يوم عشر جزر. قوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}(٣٦)؛بيان أنّ ذلك القتل والهزيمة لا يكفّران ذنوبهم، وأنّهم يحشرون في الآخرة إلى جهنّم للجزاء.
وقوله تعالى:{لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ؛} أي ليميز الله نفقة المؤمنين من نفقة الكافرين، والعمل السّيّئ من العمل الصّالح. وقرئ (ليميّز الله) بالتشديد، والمعنى: ليميّز الله ذلك الحشر الخبيث من الطيّب؛ أي الكافر من المؤمن، فينزل المحقّ الجنان والكافر النّيران.
قوله تعالى:{وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ؛} أي يجعل ما أنفقه المشركون في معصية الله بعضه فوق بعض، فيجعله ركاما فيكوّي بذلك جباههم وجنوبهم في جهنّم.
وقيل: أراد بقوله {(فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً)} طرح بعضه على بعض، كما يفعل بالمتاع الخفيف تحقيرا له. وقيل: معنى (فيركمه) أي يجمعه حتى يصير كالسّحاب المركوم وهو المجتمع الكثيف فيجعله في جهنّم. وقوله تعالى:{أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ}(٣٧)؛أي هم الذين خسروا أنفسهم في الدّنيا والآخرة، وغشّت صفقتهم وخسرت تجارتهم؛ لأنّهم اشتروا بأموالهم عذاب الله في الآخرة.
قوله عزّ وجلّ:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ؛} أي قل لأبي سفيان وأصحابه إن ينتهوا عن الشّرك وقتال محمّد صلّى الله عليه وسلّم {(يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ)} أي ما قد مضى من ذنوبهم قبل الإسلام، {وَإِنْ يَعُودُوا؛} لقتال محمّد، {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}(٣٨)،في نصر الأنبياء والأولياء وهلاك الكفّار، وإنّ للكفار النار في الآخرة. وأنشد بعضهم (١):
(١) في الجامع لأحكام القرآن: ج ٧ ص ٤٠١؛ قال القرطبي: ((هو أبو سعيد أحمد بن محمّد الزبيري)).