للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً؛} يعني: إنّ تقرّب المشركين إلى الله كان بالصّفير والتّصفيق، كانوا يفعلون ذلك عند البيت مكان الدّعاء والتّسبيح. وقيل: كانوا يأتون بأفعال الصّلاة، إلاّ أنّهم مع ذلك يصفّرون فيها ويصفّقون.

والمكاء: طائر أبيض يكون في الحجاز يصفّر يسمّى باسم بصوته، ويقال: مكا يمكو إذا صفّر. وصدى تصدية إذا صفّق بيده.

وقال مقاتل: (كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، فقام رجلان من بني عبد الدّار عن يمينه ورجلان عن يساره، فيصفّرون كما يصفّر المكاء، ويصفّقون بأيديهم؛ ليخلطوا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلاته وقراءته، وكانوا يفعلون كذلك بصلاة من آمن به، فقتلهم الله يوم بدر).وذلك قوله تعالى: {فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (٣٥)؛ ويقال: أراد بهذا أنه يقال لهم يوم القيامة: {(فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)}. وقال أبو جعفر: (سألت أبا سلمة عن قوله تعالى {(إِلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً)} فجمع يديه ثمّ نفخ فيهما صفيرا) (١).وقال ابن عبّاس: (كانت قريش يطوفون بالبيت عراة، ويدخلون أصابعهم في أفواههم فيصفّرون) (٢).

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ؛} نزلت هذه الآية في المطعمين منهم يوم بدر، وكانوا ثلاثة عشر رجلا وهم: أبو جهل وأخوه الحارث؛ والنّضر بن الحارث؛ وأبيّ بن خلف؛ وزمعة بن الأسود؛ وعتبة وشيبة، كان لكلّ واحد منهم نوبة يوم في الإطعام.

ومعنى الآية: إنّ الذين كفروا ينفقون أموالهم على عداوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصدّوا الناس عن دين الله، فيستقبح هذه الإنفاق منهم، ثم يكون إنفاقهم ندامة عليهم يوم القيامة، يهزمون ويقتلون ببدر لا تنفعهم نفقتهم.


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢٤٤٢).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢٤٤٣)،وأدرج فيه: تفسير مجاهد في الأثر (١٢٤٤٥)،وتفسير سعيد بن جبير في الأثر (١٢٤٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>