ومعنى الآية: واذكر يا محمّد إذا قالوا: اللهمّ ... وأنت بين أظهرهم بمكّة، فلم يعذّبهم الله حينئذ وعذبهم من بعد، فأسر النضر يوم بدر وقتل صبرا، وكان الذي أسره المقداد بن الأسود. وقوله تعالى: {(هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ)} عنادا وتوكيدا وصلة في الكلام، و {(الْحَقَّ)} نصب بخبر كان.
قوله تعالى:{وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}(٣٣)؛قال ابن عبّاس:(قال الحارث بن عامر بن نوفل: يا محمّد، والله إنّك فينا لصادق ولا نتّهمك، ولكنّا متى نؤمن بك غزانا العرب، فنزل {(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)} أي مقيما بين أظهرهم، ولم تعذب أمّة قط ونبيّها بن أظهرها حتى يخرج منها. {(وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ)} أي وما كان الله ليسلّط عليهم عدوّهم {(وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)} أي يصلّون.
قوله تعالى:{وَما لَهُمْ أَلاّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ؛} يعني عذاب الآخرة، وعن عبد الرحمن بن أبزي قال:(كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة، فنزل {(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)} فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة فنزل {(وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)} وكان من المسلمين بقيّة بمكّة لم يهاجروا، وكانوا يستغفرون الله ويصلّون، فلمّا خرج كفّار مكّة إلى حرب بدر، ونزل قوله: {(وَما لَهُمْ أَلاّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)} أي يمنعون المؤمنين عنه فعذّبهم الله يوم بدر) (١).
قوله تعالى:{وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ؛} أي ما كان الكفّار أولياء المسجد الحرام، قال الحسن:(وذلك أنّهم كانوا يقولون: نحن أولياء المسجد الحرام، فردّ الله ذلك عليهم).وقيل: معناه: وما كانوا أولياء الله. وقوله تعالى:{إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ؛} أي ما أولياء الله، وقيل: ما أولياء المسجد الحرام إلا المتّقون الشّرك، {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ؛} الكفار، {لا يَعْلَمُونَ}(٣٤)،ذلك.
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢٤١٢) مختصرا.