للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (٣١)؛يعني النّضر بن الحارث، وذلك أنه كان يختلف تاجرا إلى فارس والحيرة، فيسمع سجع أهلها وذكرهم أخبار العجم وغيرهم من الأمم، ويمرّ باليهود والنّصارى فيراهم يقرءون التوراة والإنجيل، فجاء مكّة فوجد محمّدا يقرأ القرآن، فقال: {(قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)} أي أخبار الأمم الماضية وأسماؤهم. وكان النضر يقول: إن هذا الذي يحدّثكم به محمّد ما هو إلا مثل ما أحدّثكم به من أحاديث الأوّلين، وكان النضر كثير الحديث عن الأمم الخالية (١).

قوله عزّ وجلّ: {وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ} (٣٢)؛نزلت في النّضر بن الحارث أيضا، قال: لو شئت لقلت مثل هذا، إن هذا إلاّ أساطير الأوّلين في كتبهم، ثم قال: اللهمّ إن كان هذا الذي يقوله محمّد هو الحقّ من عندك، فأمطر علينا حجارة من السّماء، كما أمطرتها على قوم لوط، أو ائتنا ببعض ما عذبت به الأمم فيه، فنزل {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، لِلْكافِرينَ} (٢) وكان النضر من بني عبد الدّار (٣).


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢٤٠٢) عن ابن جريج، وتمامه في الأثر (١٢٤٠٣) عن السدي، و (١٢٤٠٤) عن سعيد بن جبير.
(٢) المعارج ١/-٢.
(٣) حين تهيمن أجواء مشاعر العداء والحسد والبغض على عقل الإنسان تجعل منه قطعة من الجهل، بحيث لا يتفكّر على سواء، وإلا فإن الإنصاف يقتضي أن يطالب المرء بالحجة والبرهان، ويخاصم بالحجة والبرهان حتى يتأتى الرّجحان، هذا في الظنون. أما في الأمور المحكمات فما عليه إلا الإجابة لمطالبها حال السماع وإيضاح أمرها.
في الجامع لأحكام القرآن: ج ٧ ص ٣٩٨؛ قال القرطبي: ((حكي أنّ ابن عباس لقيه رجل من اليهود؛ فقال اليهوديّ: ممّن أنت؟ قال: من قريش. فقال: أنت من القوم الذين قالوا: اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ... الآية. فهلا عليهم أن يقولوا: إن كان هذا هو الحقّ من عندك فاهدنا له! إنّ هؤلاء قوم يجهلون. قال ابن عباس: وأنت يا إسرائيلي، من القوم الذين لم تجفّ أرجلهم من بلل البحر الذي أغرق فيه فرعون وقومه، وأنجى موسى وقومه؛ حتى قالوا: اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ فقال لهم موسى: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ فأطرق اليهوديّ مفحما)).
فمثل هذا يسخر لا ليتّعظ، بل ليهزأ، فكان جوابه على ما يستحقّ فبكت.

<<  <  ج: ص:  >  >>