للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثمّ تكلّم أبو البختريّ (١) فقال: أرى أن تحملوه على بعير فتشدّوا وثاقه عليه، ثمّ تخرجوه من أرضكم حتّى يموت أو يذهب حيث يشاء. فقال إبليس: بئس الرّأي ما رأيت! تعمدون إلى رجل له فيكم أهل بيت، وقد سمع به من حولكم أفسد عليكم جماعتكم ومعه منكم طائفة، فتخرجونه إلى غيركم فيأتيهم فيفسد منهم أيضا جماعة بما يرون من حلاوة كلامه وطلاقة لسانه، ويجتمع عليه العرب وتستمع إلى حسن حديثه، ثمّ ليأتينّكم بهم فيخرجوكم من دياركم ويقتل أشرافكم. فقالوا: صدق والله الشّيخ.

فتكلّم أبو جهل فقال: أرى أن تجتمع من كلّ بطن منكم رجل يأخذون السّيوف، فيضربونه جميعا ضربة رجل واحد، فإذا قتلتموه تفرّق دمه في القبائل كلّها، فلا يدري قومه من يأخذون ولا يقومون على حرب قريش كلّها، وإنّما إذا رأوا ذلك قبلوا الدّية، فتؤدّي قريش ديته واسترحنا. فقال إبليس: صدق والله الشّابّ، وهو أجودكم رأيا، القول قوله لا أرى غيره. فتفرّقوا على ذلك.

فنزل جبريل عليه السّلام فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك، وأمره أن لا يبيت في مضجعه الّذي كان يبيت فيه، وأمره بالهجرة إلى المدينة) (٢) وكان من أمر الغار ما كان، فذلك قوله {(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ)} أي ليحبسوك، وهو ما قاله عمرو بن هشام.

ويقال: معنى {(لِيُثْبِتُوكَ)} أي يعتدّوك أو يخرجوك. قوله تعالى: {(أَوْ يَقْتُلُوكَ)} ظاهر، وهو ما قاله أبو جهل، وقوله: {(أَوْ يُخْرِجُوكَ)} أي من بين أظهرهم إلى غيرهم، وهو ما قاله أبو البحتريّ بن هشام.

قوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} (٣٠)؛أي يريدون بك الشرّ والهلاك، {(وَيَمْكُرُ اللهُ)} أي يريد قتلهم ببدر مجازاة لهم على فعلهم وسوء صنعهم. قوله تعالى: {(وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)} أي أفضل الصّانعين وأقوى المدبرين؛ لأنه لا يمكر إلا بحقّ وصواب، ومكرهم باطل وظلم.


(١) أبو البختري: هو العاص بن هشام أو ابن هاشم، كما في السيرة النبوية لابن هشام: ج ١ ص ٢٨٣ و ٣١٥ و ٣٧٩.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢٣٩٢) من طريق مجاهد عن ابن عباس، وزاذان مولى أم هانئ عن ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>